3عقد قانونية ل«إسرائيل»

عبد الحسين شعبان

ثلاث عُقد قانونية دولية ظلّت «إسرائيل» تواجهها بعنف من جهة، واستخفاف من جهة أخرى، بل إنها تتحدى المجتمع الدولي بخصوصها، وهذه العُقد الثلاث تتعلق بوجودها، وحدودها، ومستقبلها، خصوصاً باتساع دائرة المطالبة بالتزامها قواعد القانون الدولي.
العُقدة الأولى: (الوجود) وهي تتعلق ب(البرنامج النووي «الإسرائيلي»)، الذي بدأ منذ الخمسينات، وقد فضح مردخاي فعنونو «الفني «الإسرائيلي» بالصور والوثائق امتلاك «إسرائيل» ما بين 100 – 200 رأس نووي بقدرات تدميرية، بما فيها قنابل نووية حرارية، وقد كشفت ذلك صحيفة «الصنداي تايمز» في حينها، أما فعنونو فقد قضى حكماً بالسجن لمدة 18 عاماً.
والأمر لا يتعلق بتسريب أخبار على طريقة ويكيليكس، على أهميتها، بل إن هناك عدداً من العلماء المتخصصين من أيّد ذلك، بينهم تيودور تايلر الذي عمل رئيساً لبرنامج الأسلحة الذرية في «البنتاغون»، الأمر الذي يعني أن «إسرائيل» قوة نووية رئيسية، يمكن أن تكون في المرتبة السادسة في العالم على قائمة الدول النووية، ولكنها ترفض الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي تتشبث بهذا الموقف منذ العام 1968.
وفي الوقت الذي ترتفع الدعوات لمنع انتشار الأسلحة النووية، يتم غض النظر عن تطويرها القدرات العسكرية النووية، تحت ذريعة الهواجس الأمنية والعسكرية من المحيط العربي.
العُقدة الثانية: (الحدود) وهي تتعلق برفض «إسرائيل» التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المبرمة في العام 1982، التي دخلت حيز التنفيذ في العام 1994، وقد انضم إليها حتى الآن 167 دولة، في حين هي ترفض الانضمام إليها، بل إنها لا تعترف بالقواعد القانونية التعاهدية التي تم الاتفاق عليها. لماذا؟ الجواب باختصار: لأنها لا تريد ترسيماً لحدودها، سواء كانت بحرية أو برية، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تقر بحدودها، كما أنها الدولة الوحيدة بلا دستور، لأنها لا تريد إقرار مبادئ المساواة، الأمر الذي لا يعني سوى التمدد على حساب العرب، كلما كان ذلك ممكناً وفقاً لمشروعها العتيق بقيام دولة «إسرائيل» من النيل إلى الفرات، وهو مشروع حرب دائمة وعدوان مستمر.
جدير بالذكر أن دولة فلسطين التي تم الاعتراف بها كدولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني العام 2012، وعضو كامل العضوية في منظمة «اليونيسكو»، انضمت إلى اتفاقية قانون البحار في العام 2014، ضمن عدد من الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها.
تحدد المياه الإقليمية ب 12 ميلاً، لكن «إسرائيل» كما تشهد الوقائع اليومية، تخرق تلك القواعد بصورة سافرة في ما يتعلق بالمياه الإقليمية لقطاع غزة، وتمنع السلطة الفلسطينية من ممارسة حقها في السيادة البحرية على حدودها، وذلك بفرض حصار غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي غير إنساني، وغير أخلاقي في انتهاك سافر وصارخ للقانون الدولي، ولا سيما لقانون البحار، كما تقوم بمنع الصيادين الفلسطينيين من الصيد في المياه الإقليمية.
وعلى الرغم من أن «إسرائيل» ليست طرفاً في اتفاقية قانون البحار، لكن ذلك لا يمنع من تقدم دولة فلسطين بالشكوى ضدها في المحكمة الدولية الخاصة بقانون البحار التي مقرها مدينة هامبورغ (الألمانية)، والهدف هو التعريف بالحقوق وتأكيدها أمام المجتمع الدولي، خصوصاً بالحجج القانونية والمسؤولية الدولية، لضمان التزام الدول الأخرى بالحقوق الفلسطينية، وهو جزء من معركة طويلة الأمد، خصوصاً أن الاتفاقية تعطي الدول حقوقاً سيادية بعمق 200 ميل بحري كمنطقة اقتصادية خالصة في ما يتعلق بالموارد الطبيعية وغيرها، بما فيها الغاز الطبيعي الذي هو مصدر تنازع كبير، لا سيما قبالة ساحل غزة.
والأمر يخص لبنان أيضاً، فقد ارتفعت شهية الأطماع «الإسرائيلية» بسبب احتياطات الغاز والنفط المحتملة بالقرب من الشواطئ اللبنانية، وانفجر النزاع بشأنها في العام 2011، ولا يزال مستمراً، وهو يشمل قبرص أيضاً.
العُقدة الثالثة: (المستقبل)، ف«إسرائيل» تدرك أن تطبيق العدالة الدولية ليس في مصلحتها، ولهذا السبب انسحبت من نظام محكمة روما الذي أبرم في العام 1998 ودخل حيز التنفيذ في العام 2002. وفي الوقت الذي ذهبت إلى التوقيع عليه تكتيكياً في اللحظات الأخيرة قبل إغلاق باب الانضمام لتكون دولة مؤسسة، فإنها انسحبت منه بعد دخوله حيز التنفيذ، والسبب يعود إلى وجود نص يتعلق بالاستيطان الذي تعتبره المحكمة الجنائية الدولية «جريمة تستحق المساءلة والعقاب».
وإذا كانت «إسرائيل» قد انسحبت من نظام روما ومعها الولايات المتحدة، فإنهما لم يوقعا أساساً على اتفاقية قانون البحار، أي أن «إسرائيل» لا تتصرف وحدها في مخالفة القانون الدولي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي، بل هي تحظى بدعم أمريكي مستمر على جميع الصعد المادية والمعنوية، وإلا كيف يسمح لها وهي بؤرة للتوتر، بعدم إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية؟
وتبقى المعركة مع «إسرائيل» لها أوجه متعددة، سياسية واقتصادية وثقافية ودبلوماسية ودولية وإعلامية، خصوصاً في ما يتعلق بمواجهة هذه العقد القانونية التي تكشف حقيقة دولة «إسرائيل»، ومخالفتها لقواعد القانون الدولي.
ويأتي قرار «اليونيسكو» بإبطال نظرية الهيكل التي تحاول «إسرائيل» التعكز عليها تاريخياً لإثبات عائدية المناطق المقدسة في القدس، فرصة تاريخية مناسبة يمكن توظيفها باتجاه الدعوة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة حول بطلان قرار ضم القدس الذي اتخذه «الكنيست «الإسرائيلي»» العام 1980، مثلما هو دعوة لتحمل الدول الكبرى لمسؤولياتها، ولا سيما بريطانيا، وذلك بمناسبة مرور 100 عام على وعد بلفور الذي سيصادف العام القادم، ومطالبتها بالاعتذار والتعويض، لتمكين الشعب العربي الفلسطيني من نيل حقوقه غير القابلة للتصرف، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

أضف تعليق