أحرجتنا ماليزيا

2016/12/07

فهمي هويدي

أحرجنا رئيس وزراء ماليزيا حين رفع صوته عاليا ودعا إلى وقف إبادة أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار (بورما سابقا). ذلك أنه الوحيد الذي فعلها حين ندد بجرائم الجيش البورمي الذي يرعى القمع ويباشره في ولاية راخين أو راكين التي يعيش فيها أولئك المسلمون الفقراء والبؤساء. وهو أيضا من خاطب رئيسة ميانمار السيدة أونج سان سو تشي متسائلا ما قيمة أن تمنح جائزة نوبل للسلام، في حين أن نظامها يمارس تلك الجرائم ضد المسلمين. هو أيضا من دعا منظمة التعاون الإسلامي إلى القيام بما عليها في هذا الصدد، كما دعا الأمم المتحدة إلى التدخل واتخاذ إجراء يوقف المأساة، وقال: «لا يمكن للعالم أن يجلس ويقف متفرجا أمام جرائم الإبادة الجماعية التي تمارس ضد الروهينجا».

في حين وجه رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق انتقاداته للحكومة البورمية، فإن الخارجية الماليزية استدعت سفيرها في كوالالمبور لإبلاغه رسميا بالاحتجاج على حملة قمع المسلمين وإبادتهم. وأصدرت الخارجية بيانا يوم السبت الماضي (٤/١٢) اتهمت فيه بورما بشن حملة تطهير عرقي ضد الروهينجا. كما خرجت مظاهرة حاشدة أمام سفارة بورما في كوالالمبور رفعت لافتات التنديد بالجرائم التي ترتكب ضد المسلمين هناك. إزاء ذلك دعا أحد الوزراء الماليزيين دول رابطة جنوب شرقي آسيا (عشر دول) إلى إعادة النظر في عضوية بورما، بعدما لطخت الجرائم التي ترتكب ضد مسلميها سمعتها بما يجعلها غير جديرة بالاستمرار في عضوية الرابطة.

الشاهد أن الماليزيين قاموا بأغلب -إن لم يكن بكل- ما كان علينا أن نقوم به، دولا ومنظمات إسلامية، الأمر الذي يبعث على الحيرة والدهشة. يضاعف من تلك الدهشة أن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت في الأسبوع الماضي أن عشرة آلاف من الروهينجا عبروا من بورما إلى بنجلاديش خلال شهر نوفمبر الماضي، هربا من حملات التعذيب والقتل والاغتصاب الجماعي التي تمارسها قوات الأمن البورمية بحقهم. وهو ما دعا المفوضية العليا للاجئين إلى إصدار بيان اعتبرت فيه أن الأقلية المسلمة هناك قد تكون ضحية جرائم ضد الإنسانية.

أدري أن عالمنا العربي بات غارقا في الدماء وفيه ما يكفيه كما يقال، ذلك أن ما جرى في سوريا مثلا لا يختلف كثيرا عما يحدث في بورما، إلا أن ذلك لا يبرر الصمت إزاء ما يجري، خصوصا أن المطلوب من الدول العربية والإسلامية لا يتجاوز حدود الإجراءات الدبلوماسية التي تعبر عن العتب والغضب. ناهيك عن أن في بلادنا مؤسسات لها نفوذها الأدبي في العالم الإسلامي، بينها منظمة التعاون الإسلامي ومشيخة الأزهر واتحاد علماء المسلمين ومجلس حكماء المسلمين. ولا يشك أحد في أن استدعاء سفراء بورما لدى وزارات الخارجية في الدول الإسلامية أو إصدار بيانات الشجب والإدانة من جانب المنظمات المعنية، يمكن أن يكون له تأثيره المعنوي وضغطه الأدبي الذي يسهم في وضع حد لمأساة أولئك المسلمين الضعفاء، الذين يعانون من اضطهاد البوذيين المتعصبين منذ أربعينيات القرن الماضي (في عام ١٩٤٢ قتل البوذيون منهم مائة ألف شخص).

لقد قامت الدنيا ولم تقعد حينما وقعت تفجيرات باريس في شهر نوفمبر من العام الماضي، وقتل فيها ١٢٧ شخصا، وتضامن ممثلو ٤٠ دولة مع فرنسا في المسيرة المناهضة للإرهاب التي شهدتها العاصمة بعد ذلك. وكان ذلك التضامن واجبا وفي محله تماما. لكن العذابات التي يتعرض لها بصورة منظمة عشرة ملايين مسلم في بورما لم تجد من يتحرك لإدانتها والمطالبة بوضع حد لها، كذلك فإن جرائم داعش يرفضها الجميع ويحاربونها بغير هوادة، ولكن الذي يمارسه البوذيون بحق المسلمين مسكوت عليه، رغم أنه داعشي بامتياز وإرهاب مستمر، وليس عارضا أو مؤقتا كما هو الحاصل عندنا.

إنني أستحي أن أطالب أصحاب الضمائر في العالم الخارجي بإدانة ما يجري للروهينجا، لأن ضمائرنا في العالم العربي والإسلامي لم تكترث به.


انتبه كي لا تفقد نفسك

2016/12/07

عائشة سلطان

حين ينسى الإنسان – أي إنسان – نفسه لأجل إرضاء الآخرين دون أن يفكر ملياً وبمنطق في مدى ضرورة هذا الإرضاء، ومردوده نفسياً وصحياً عليه، وفي درجة ما يعكسه على تحقيق احتياجاته ورغباته الشخصية، فإنه مع مرور الزمن واستمرار الاستجابة لضغوط الآخرين التي لا تتوقف ومتطلباتهم التي تتزايد مع اعتيادهم على الاعتماد عليه، وتقدمهم في العمر، واحتياجاتهم التي تنضح بالأنانية غالباً، سيفقد نفسه.

إن هذا النمط من السلوك الذي يبدو في ظاهره نبيلاً ومحل تقديس ديني وتقدير اجتماعي، إذا لم يتم التعامل معه، وإذا تمت ممارسته بإفراط وعدم توازن وبإنكار مفرط للذات، فإن من يقوم به يتحول مع مرور السنوات من شخص مضح ومعط عام، وإنسان إيجابي ممتلئ برغبة العطاء إلى مجرد ذات منهكة ومستنزفة كحقل مهمل تم تجريفه على مدى سنوات طويلة دون رعاية أو رحمة!

عرفت أشخاصاً من هؤلاء حين انهارت معنوياتهم بسبب الجري المستمر لأجل الآخرين أو بسبب أزمات خاصة يمرون بها، واحتاجوا فعلاً لمن يمد إليهم يد الإنقاذ، فلم يجدوا من يمكنهم الاعتماد عليه أو الثقة به، هناك من يفعل ذلك لبعض الوقت لكنه سرعان ما يتوارى فلا أحد بإمكانه أن يكون عكازاً لأحد مثقل بأعباء العمل ومطبات الحياة.

إن من يظن أنه وجد لأجل الآخرين فقط فإنه يخطئ في فهم حكمة الحياة وطريقة تسييرها، فإذا لم تعتن بنفسك أولاً لا يمكنك أن تعتني بغيرك وبكل شهامة ودون إحساس بالضغط أو العبء، وما لم تحب نفسك أولاً، وتمنح نفسك أهميتها واحتياجاتها وحقوقها فإنك لن تعرف كيف تعطي ذلك الآخرين.

إن العطاء بمنطق أحادي النظرة وفي محيط مغلق يوظف نبلك وقواك مثل (ثور) في ساقية لا تتوقف، سيقتلك أو سيجعلك تفر هارباً ذات يوم، لأن من ينسى نفسه وينكر ذاته وحقوقه إنما يفعل ذلك نتيجة تربية متسلطة أو نتيجة لمخاوف دينية غير صحيحة أو تأنيب ضمير أو ربما بسبب أوهامه من فقدان الأصدقاء أو العائلة أو الأحباب، معتقداً أن استمرار دعمه ووقوفه وتبنيه لهم يساعدهم على البقاء أقوياء، وإن توقف هذا الدعم قد يقضي عليهم، ذلك أحد أكبر الأوهام في حياة كثيرين منا للأسف.

إن أي إنسان مسؤول عن نفسه بالدرجة الأولى ثم عن الآخرين وليس العكس، ما لم يكونوا والدين في سن الرعاية!! ثم إن علاقتنا بالأبناء والإخوة والأصحاب والأحباب يجب أن لا تتحول إلى شكل منفعي من جانب واحد، وعلينا أن ننتبه لهذا الشعور الخفي بالمتعة ونحن نعطي بلا حدود، هذا الشعور إذا لم يقنن ويعقلن، وإذا لم يقابله امتنان وتقدير، فإنه سيتحول لاحقاً إلى شيء يشبه الغصة أو الندم!


مفلسون يتغنون بانتصارات وهمية

2016/12/07

صالح القلاب

حتى لو إنتصر التحالف الشيطاني الثلاثي ومعه حزب الله وأكثر من أربعين تنظيماً طائفياً تم إستيرادها من عدد من الدول القريبة والبعيدة في معركة شرقيِّ حلب فإنه لن يكسب هذه الحرب بالتأكيد لأن كسبها يعني تدمير باقي ما تبقى من سورية ويعني أيضاً القضاء على الشعب السوري كله إنْ بالإبادة وإن بالتهجير ويعني كذلك إنتزاع النخوة القومية من ضمائر العرب كلهم وإجتثاث كل حسٍّ إنساني لدى ملايين بني البشر الذين باتت إلتزاماتهم لا تتحمل كل هذه الوحشية التي يتبعها الروس والإيرانيون ومعهم نظام الشر التي تمزق فيها أجساد الأطفال السوريين وتسحق جماجمهم وتقطع أوصالهم.

لقد ذهب التهويل بهذا الحلف الشيطاني وبأعوانه من الشراذم المذهبية، التي تحمل راية لا علاقة لها إطلاقاً بمن تستخدم أسماؤهم في هذه الحرب القذرة التي استهدفت حتى مساجد المسلمين وحتى أضرحة بعض صحابة رسول الله كسيف الله المسلول خالد بن الوليد، إلى حدَ أن حرب شرقي حلب تدرس في أرقى «الأكاديميات» العسكرية وهذا يدل على أن حتى الجنرالات الروس، الذين عندما جيء بهم إلى سورية كـ»فاتحين» وكمحتلين كانوا يظنون أنهم ذاهبون إلى نزهة ليس أكثر لكنهم عندما أدركوا أن ما واجهه الجيش السوفياتي في أفغانستان بات من المؤكد أنه سيواجههم في النهاية، باتوا هم أيضا يسعون لإنتصارات وهمية في مواجهات لولا إستخدامهم المفرط فيها لقاصفاتهم الإستراتيجية لكانت النتائج في هذا الجزء من هذه المدينة التاريخية كنتائج المواجهات التي شهدتها إدلب وباقي الجبهات السورية .

لقد بقي هذا النظام، حتى بعد الإستنجاد بفيالق الحرس الثوري الإيراني وبكل هذه الشراذم الطائفية ولاحقاً بالإحتلال الروسي لسورية، ولأكثر من أربعة أعوام وهو يحاول تحقيق إنجاز حقيقي في هذه المدينة التي كان عدد المدافعين عنها لا يتجاوز بضعة آلاف وبأسلحة فردية وبالإيمان بعدالة قضيتهم وبما يدافعون عنه وهنا فإن المؤكد لن تسقط أبداً طالما أن القتال لا يزال متواصلاً في إدلب وحمص وحماة وفي ضواحي دمشق مع أن البلاغات العسكرية الكاذبة كانت قد اعتبرت أن إنجازات هذا التحالف سوف تدرس في أهم «الأكاديميات» العسكرية.

ما هو هذا الإنجاز العسكري الذي يتغنى به أصحابه ويعتبرونه تحولاً تاريخياً طالما أن الذين خاضوا حرب شرقي حلب على رأسهم جيش روسيا التي تعتبر ثاني دولة عظمى في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية وشاركتهم في كل هذه الجرائم التي أُرتبكت ضد عدد محدود من المقاتلين إيران التي توصف بأنها القوة الرئيسية في الشرق الأوسط وكل هذا إلى جانب باقي ما تبقى من جيش بشار الأسد وإلى جانب كل هذه الشراذم الطائفية التي تم «إستيرادها» بدوافع تم إخراجها من كهوف التاريخ والتي من المفترض أنه لم تعد لها أي علاقة لا بالإسلام ولا بالمسلمين بينما قطع القرن الحادي والعشرين نحو عقدين من الزمن من الألفية الثالثة .

قد يحقق هذا التحالف الشيطاني المزيد من هذه «الإنتصارات» !! التي إرتقت بها مبالغات المُفلسين إلى مستوى المعارك التاريخية والمطالبة بتدريس إنجازاتها في أرقى «الأكاديميات» العسكرية في العالم لكن المعروف أن: «الأمور بخواتيمها « وأن النصر دائماً وأبداً يكون إلى جانب الشعوب التي تبذل الأرواح من أجل قضية عادلة ويقيناً أنه لا توجد قضية أكثر عدالة من هذه القضية حيث انتفض شعب عظيم ، ملأ التاريخ القديم والجديد بالعطاءات الحضارية، من أجل كرامته ومن أجل حريته ومن أجل إنتشال بلده من القهر والظلم وإخراجه من ظلام تواصل لأكثر من نصف قرن من السنوات الموجعة التي تحولت سورية خلالها إلى سجن كبير وإلى مقبرة واسعة.


الانسحاب ونصفه من شرق السويس

2016/12/07

طارق مصاروة

في مثل هذه الايام من عام 1971 اكملت بريطانيا انسحابها من «شرق قناة السويس», واعلنت دولة الامارات الاتحادية تكاملها.. وكعادة بريطانيا كلما انسحبت من اي منطقة تترك وراءها مشكلة, فقد سمحت لشاه ايران احتلاله لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى غير المأهولتين, وجزيرة ابو موسى نصف المأهولة. وكان الامير القاسمي صاحب السيادة أمر جنوده في مركز شرطة ابو موسى مقاومة المحتلين بآخر رصاصة وآخر رجل.. وليسجل الرفض القومي للاحتلال حتى ولو بجزر غير, ونصف مأهولة.

وقتها انتدبتني الحكومة للعمل معاراً في مكتب ولي العهد رئيس الوزراء القطري, وكانت قطر والبحرين قد قررتا عدم الانضمام للاتحاد واعلنتا استقلالهما. ومع ان الشاه كانت له مطامعه في الخليج, وقبل, على مضض, نتائج الاستفتاء في البحرين.. لكنه بقي يحب ان يلعب دور شرطي الخليج, وكان يخاف من العراق وللقصة بقية شهدتها عام 1974 لدى زيارة رسمية لايران, قام بها وزير الخارجية القطري سحيم بن حمد, حين بقي الشاه طيلة المقابلة يشكو من «اطماع العراق» و»تسلّح العراق» وقتها لم تنشغل الولايات المتحدة لتعبئة الفراغ الناتج عن انسحاب بريطانيا من المنطقة. وبقي وجودها مقتصراً على «سفينة العلم» .. وهي عادة سفينة قديمة محدودة التسليح تقوم بزيارات قصيرة للموانئ العربية والايرانية.

الان، وبعد مضي هذه العقود من التغريبة البريطانية تذكرنا رئيسة الوزراء ماي في تصريحها للشرق الاوسط بالعلاقات القديمة مع دول الخليج العربية، وذلك بمناسبة دعوتها لتكون ضيفة قمة التعاون الخليجي الثامنة والثلاثين، كأن لم يكن مرت كل هذه المياه تحت الجسور، ولم يسمر بمكة سامر!!. فيما امتلأت مياه الخليج بالاساطيل الاميركية والايرانية وزال «خطر العراق» وصار الشاه خامينئي والجزر «اسلامية» وامتد النفوذ الايراني ليصل الى صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت.

الاخبار كما قلنا الاسبوع الماضي، ان هناك مفاجأة ربما باعلان الوحدة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي – ليس كلها وقطعا ليس سلطنة عُمان – وذلك ردا على الفراغ الذي تخلفه الولايات المتحدة بانسحابها عمليا من شرق السويس وبشكل متواز مع انسحاب بريطانيا عام 1971، رغم اكوام حديد حاملات الطائرات وقياداتها في المحرق البحرينية، وفي قواعد الطيران في سيلية قطر، فهذا انسحاب للارادة السياسية وليس للاساطيل والطائرات. وهو ايضا عدم يقين بسياسات ادارة جديدة.. تقول في سيرك الانتخابات الرئاسية ما لا تقوله في البيت الابيض.

قلنا ونقول: وحدة الخليج العربي ضرورة وليست خيارا. واذا كان على مجلس التعاون الخليجي ان يشكل عمقا استراتيجيا لهذه الوحدة فهناك مصر والاردن والمغرب، فعرب الخليج مشهورون بأخذ وقتهم للتفكير، وتقليب الامور على وجوهها.. وهو الترف الذي لا تؤيده تسارع الاحداث، وقسوة الكوارث، والفوضى التي تداهم المنطقة وتكاد تفتتها.


نحو مبادرة شعبية لإحلال الوئام في المنطقة

2016/12/07

بلال حسن التل

• إلى متى سيستمرهذا الذي يجري في بلادنا من قتل وتدمير وفتنة ونتشارك جميعاً في صنعه ومن ثم في دفع ثمنه مادياً ومعنوياً؟

• إلى متى سيظل أبناء بلادنا مجرد أرقام في قوائم القتلى التي تزداد طولاً يومابعد يوم؟

• وإلى متى ستظل جثث قتلانا موزعة تحت الركام، أو على أطراف الطرقات، أو في المقابر الجماعية، أو في مقابر بلا شواهد تدل على صاحب القبر، وإلى متى سيظل الأب أو الإبن أو الزوج أو الزوجة، لا يعرف أين ووري جثمان ولده أو أبيه أو زوجها أوزوجته أو أخته أو أخيها ليقف على قبره يدعو له ويترحم عليه؟

• إلى متى ستظل دماء أبنائنا وبناتنا معرضة للسفك بلا ثمن وبلا قيمة وبلا حرمة؟

• إلى متى ستظل أشلاء جثث أبنائنا وبناتنا ودماؤهم مجرد صورة على شاشات الإعلام المرئي ومجرد خبر على صفحات الإعلام المقروء؟

• الى متى ستظل أرواحهم تزهق على مذابح أطماع ومشاريع دول أخرى ؟

• إلى متى سيظل أبناء بلادنا أسرى ومخطوفين، لا نعرف من سجانهم، ولا من خاطفهم، وإلى متى سيظلون مغيبين، عنا ولا نعرف في أي سجن هم، ولمن تابعية السجن الذين هم فيه أهي لدولة أم لعصابة؟

• إلى متى ستظل بنات بلادنا عرضة للسبي، و للبيع في أسواق النخاسة، يقرر مصيرهن ويعبث بشرفهن هذا العلج أو ذاك؟

• إلى متى ستظل بيوتنا ومنشاتنا أهدافاً للقصف العشوائي، يحولها إلى دمار وركام، يدفن بعضنا تحتها ويفر بعضنا الآخرمنها؟

• إلى متى ستظل أموالنا تنفق على منشات تدمرها صواريخ الدول والعصابات تارة، وتنفق تارة على إعادة إعمارها بيد شركات الدول التي دمرتها، أو التي صدرت إلينا عصابات لتدميرها؟

• وإلى متى ستظل أموالنا تنفق على شراء اسلحة يقتل فيها بعضنا الآخر؟

• إلى متى سيظل كل واحد من أبناء بلادنا معرضاً إلى أن يتحول في أية لحظة إلى لاجىء، مشرد في بلده، أو خارج بلده، أو وراء البحار،هذا إن نجا من الغرق في البحارالتي تفصله عن بلاد اللجوء؟

• إلى متى سنظل موزعين إلى رعايا دول دمرت وتدمر، وصار أهلها بين قتيل أو جريح، أو مخطوف، أو لاجىء ومشرد، أو رعايا دول نعيش في قلق دائم أن يصيبنا ما أصاب إخواننا من قتل وتدمير وتشريد؟

• إلى متى سيظل بعضنا يسابق بعضنا الآخر في تقديم أخيه قرباناً على مذابح القوى الطامعة فينا، ظناً منه أنه إن ضحى بأخيه نجا بنفسه، دون أن يدرك القاعدة الخالدة «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، ومتناسين أن الكثير مما نحن فيه من ضعف وهوان إنما هو بسبب فرقتنا وتنافسنا على خطب ود أعدائنا على حساب أشقائنا؟

• إلى متى سنظل نتناحر أيهما أفضل لنا الاستعمار الأمريكي أم الاستعمار الروسي، وإلى متى سنظل نتقاسم التبعية لهذا المعسكر أم ذاك؟

• إلى متى سنظل وقود نيران الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية التي تعصف ببلادنا وتمزق مجتمعاتنا، وتصب في مصلحة أعدائنا، الذين احترفوا صناعة صب الزيت على نيران فتنتنا المذهبية والطائفية والعرقية؟

• إلى متى سنظل نستحضر ثارات الحسين ويزيد ليقتل بعضنا الآخر ويضعف بعضنا الآخر لحساب عدونا المشترك؟

• إلى متى سيظل ما تقوله الشعوب الأخرى في المناطق الأخرى من هذا العالم رأي عام، يجب أن يحترم وتنصاع له سياسة الدول، بينما ما نقوله نحن «حركة شارع» و»رأي شارع» لا يستحق أن نتوقف عنده ولا نحترمه وننصاع إليه؟

• أليست كل هذه الأسئلة وما قلناه فيها هي مكونات صورة المشهد العام في بلادنا، الممزقة المزنرة بالنار والدم والدمار، فما هو المخرج، وإلى متى سنظل ننتظر أن يأتينا الحل من وراء السهوب، ومن منظمات وهيئات صنعها أعداؤنا، ومن دول تكن لنا أبشع ألوان العداء؟

• ألم يأن آوان أن ننهض من سباتنا، ونأخذ زمام المبادرة بأيدينا و أين نخبنا الفكرية والثقافية والفنية، أليس فيها بقية من حياة وحياء لتسعى للخروج بنا مما نحن فيه..أليس فينا رجل رشيد يخطو الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل نحو الخلاص؟

هذه الأسئلة وغيرها ظلت محور نقاش دائم على طاولة جماعة عمان لحوارات المستقبل، وكانت نتيجتها بلورة مبادرة شعبية لرأب الصدع بين أبناء هذه المنطقة من العالم، ولإحلال الوئام محل الصراع بينهم، وقد عرضناها على معظم الأطراف ذات العلاقة في الصراع الدائر «سنة وشيعة، مسلمون ومسيحيون، عرب وأكراد …إلخ» وقد رحب الجميع بالمبادرة وأبدى استعداده للتعاون على أمل أن تحمل الأيام القادمة أخباراً سارة تكون الخطوة الأولى من مسيرة الألف ميل نحو الخلاص.


حين سقطت الأقنعة

2016/12/07

ابراهيم العجلوني

لا ريب, فيما نعتقد, بأن الخطأ موزّع بأقدار متفاوتة بين الاطراف المقتتلة في بلادنا العربية. وأن الخطأ (بل الإثم) أعظم ما يكون لدى من يستظهرون بالاعداء التاريخيين على بني أبيهم, وعلى من يضربون بآداب الحرب في الاسلام عرض الحائط فلا يرحمون شيخوخة ولا طفولة ولا يتفهم شيء دون استباحة الحرمات وتدمير المدائن وتشريد مئات الالوف من «مواطنيهم» على نحو ما نرى في العراق وسوريا واليمن, وما نتوجّس خيفة أن يكون تمهيداً وتوطئة لاعادة تقسيم الوطن العربي بما يلائم مطامع القوى المتربصة به المتداعية عليه من روس واميركان واوروبيين وايرانيين ومن لا ندري ممن يُجرّؤهم وهن الامة عليها..

ولا ريب, فيما نعتقد, ان ما بلوناه في هذه السنوات الحسوم قد محّص كثيراً من الدعاوى القومية, والانسانية, والمتجلببة بالاسلام, وأظهرنا على حقيقة القوى التي تجثم على انفاس الشعوب وتصادر حرياتها وتهتضم كراماتها, ولا تأبه آخر المطاف ان تدفنها تحت الانقاض وان تجعل مدائنها قاعاً صفصفاً أو صعيداً زلقا.

لقد سقطت الاقنعة عن مدّعي العروبة ومدّعي الاسلام ومدّعي الاشتراكية ومدّعي الانسانية, واسفرت الوقائع المفجعة عن وجوه ترهقها غبرة الطائفية, وذلة التبعية, وعار الاستخذاء, وقبح الجبروت, ثم عن خلائق مشرّدة في الافاق او محرّقة في مساكنها أو مسوقة الى مصايرها «المعروفة» تحت وقع السياط أو تحت عجلات الدبابات وقصف الطائرات كما شاهدنا ذلك في الفضائيات!!

انها حقائق تشيب لهولها النواصي, وتجعل الحليم حيران, ولكنها–فيما يبدو–لا تهز لاصحاب القرار في استمرار المذابح بقية من ضمير أو صبابة من ندم, بل هم في طغيانهم يعمهون, لا يندى لهم جبين مما اقترفوه, بل يصطنعون الابواق ويستأجرون المبهرجين, ويمضون في سكرتهم يعمهون.

كلام مجمل تفيض من بين سطوره اسباب الغضب واسباب البكاء, اما تفصيله فكاف لتسويد اسفار واسفار من تاريخ أمة عميت عما يحييها, وتقّحمت ما يهلكها, وصدق فيها قول الشاعر العربي:

كم امة لعبت بها جهالها

فتنطّت من قبل في تعذيبها

الخوف يلجؤها الى تصديقها

والعقل يدفعها الى تكذيبها

ألا إنه العقل, هو كاشف الغطاء عما يلعبه اللاعبون, وهو المرجع واللّجأ حين تصطرع الظنون.


واسطة العقد بين الصفوية والصهيونية

2016/12/07

عبدالمحسن هلال

كعادة المؤتمرات، ما تغنمه في ردهاتها يفوق ما تسمعه على منصاتها، ما يقال على المنصة ويعقبه عليها من حوار ينصب على ما كتب في الأوراق، أما اللقاءات الجانبية فتضيف إليه وتبني عليه وتتعمق فيه أكثر. مؤتمر تونس الذي كتبت عنه قبل أمس، أتاح لي لقاء جمع من العلماء والمفكرين والمثقفين جاءوا من أنحاء شتى لمناصرة قضية الأحواز وإحيائها في ضمير كل عربي ومسلم وإنسان يرفض الظلم في أبشع صوره المتمثل في الاحتلال.

كم بدا لي تسلسل الأحداث سيرياليا، فبدل أن يطالب العرب بأرض كانوا أول من استوطنوها منذ آلاف السنين وظلوا يحكمونها حتى عهد قريب، وجدوا أن إيران تتمدد شمالا لتسيطر على ثلاث عواصم عربية، وتريد التوغل جنوبا لتسيطر على عاصمة عربية رابعة، استيقظ العرب ليجدوا أنفسهم محاصرين من الاحتلال الصهيوني في قلبه بفلسطين والاحتلال الصفوي يريد ابتلاع أطرافه وهلاله الخصيب. تمكن قلة من الصهاينة بناء كيان لهم وسط بحر من العرب، تمكن قلة من الفرس من بناء وجود لهم وسط شعوب تفوقهم عددا، بلوشستان جنوبا وعربستان غربا والكرد والأذر شمالا، والمساعد في الحالين واحد، بريطانيا التي قامت بتسليم آخر أمير عربي على الأحواز للصفويين العام 1925م، وسلمت فلسطين للصهاينة العام 1947م، وسبب المساعدة في الحالين واحد، السيطرة على ثروات ومقدرات المنطقة، وكما ورثت بريطانيا المنطقة من رجل أوروبا المريض، ورثتها لأمريكا عندما مرضت هي.

من توصيات المؤتمر أهمية تدويل القضية وإثارتها عالميا وإسلاميا وعربيا، واتخاذ خطوات لتشكيل حكومة منفى للحصول على حق تقرير المصير، التذكير المستمر بها سواء في المناهج الدراسية أو الوسائل الإعلامية، وتسمية شوارع في المدن العربية بأسماء الإمارات العربية التي كانت تحكم منطقة الأحواز، غير أن أهم ما في الأمر توفر الحضن العربي الداعم خليجيا وعربيا وإسلاميا وعالميا للحق العربي هناك، دعم أبنائها الأكثر من 12 مليون عربي، عتادا وعدة ومالا لتمكينهم من مقاومة الاحتلال الذي يعمل على طمس هوية أرضهم العربية، رفع القضية في مستوى الوعي العربي كقضية فلسطين تماما.

فيما يخص صراعنا مع إيران، قلت قبل شهور أنه صراع ضد صفوييها وحكامها وليس ضد الشعب الإيراني، إيران تريد جرنا للبعد الطائفي وهو صراع حقوقي بالأساس، تصور نفسها ـ لكسب التأييد العالمي ـ أقلية شيعية وسط بحر سني يهددها وهي المسالمة، تماما كما قدمت (إسرائيل) نفسها للعالم، واحة الديموقراطية وسط بحر من الكارهين لها، إيران تريد استغلال الشيعة العرب وتحويلهم لطابور خامس، وكما لم تنجح قديما ضد صدام حسين، لن تنجح مستقبلا إذا تفهمنا نحن قواعد اللعبة، هو صراع ضد قوة محتلة وتريد أن تحتل المزيد، صراع سياسي اقتصادي حقوقي إنساني، هذه هي اللغة التي يفهمها عالم اليوم.


أردوغان وقع في الفخ

2016/12/07

موناليزا فريحة

في ما عدا التصريح الناري للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي بأن عملية “درع الفرات” ترمي الى إسقاط الرئيس السوري بشار الاسد (تراجع عنه لاحقاً)، لم يعد يُسمع أي كلام عن “إنجازات” العملية العسكرية التركية في شمال سوريا.
منذ الاسابيع الأولى للعملية التي انطلقت في 24 آب الماضي، أكد أردوغان أنها ستصل إلى مدينتي منبج والرقة بعد الباب. والشهر الماضي، قال حرفياً: “لقد اقتربنا من الباب حالياً، وحاصرناها من الغرب أيضاً، وهذا لا يكفي، إذ أننا سنمضي من هناك إلى منبج. لماذا؟ ليس لأننا متشوقون لذلك، بل لأن هناك وحدات كردية”. ومن هناك كرر أنه ينوي التوجه الى الرقة.
لا شيء من هذا حصل، ولا شيء يوحي بأنه قد يحصل في القريب العاجل. ولا يزال “داعش” يسيطر على الباب. أما السبب فيوضح المسؤولون الاتراك أنه مقاومة قوية من “داعش” في المدينة وخطف التنظيم الإرهابي جنديين تركيين.
ليست ذرائع كهذه مقنعة لوقف هجوم بدأته أنقرة بعد أربعين يوماً من محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وعلقت عليه آمالاً كبيرة في إظهار تماسك جيشها التي زجت آلافاً من ضباطه وجنوده في السجون، وهدفت من خلاله الى ضمان أمن حدودها وتبديد الشكوك الدولية في نيتها محاربة “داعش”.
مؤشرات كثيرة توحي بأن عوائق أكبر تواجه العملية وتمنع أردوغان من المضي في خطته، في مقدمها القصف الذي تعرضت له قوات تركية على مشارف منبج قبل عشرة أيام تقريباً. ذلك القصف تحديداً اعتبر بمثابة إنذار سوري – روسي لأنقرة، وانطوى ربما على تحذير لها من تسيير طلعات لمقاتلاتها دعماً لفصيل “الجيش السوري الحر” وقواتها في المنطقة.
منذ انطلاق عملية “درع الفرات” كان ثمة اقتناع بضوء أخضر روسي أتاح لأنقرة ارسال قواتها الى منطقة تعد فناء خلفياً لعمليات النظام السوري وداعميه في حلب. حتى أن فرضيات كثيرة تحدثت عن صفقة روسية – تركية لمقايضة منبج بحلب. ولكن مع المكاسب التي حققها النظام في حلب بدعم روسي، صارت الباب على ما يبدو خطاً أحمر، خصوصاً أن المدينة تعتبر بوابة الى حلب، ولم يعد من مصلحة موسكو السماح بدخول قوات من المعارضة السورية تدعمها تركيا اليها.
يبدو أن أردوغان أخطأ مجدداً في حساباته السورية. كان متوقعاً أن تكون الباب ثمناً لصمته المريب عما حصل في حلب، لكنه خسر هذا وتلك. ولا شيء يضمن انه سيتمكن من الاحتفاظ بالمكاسب التي تباهى بأن “درع الفرات” قد حققها.


على روسيا فهم نتائج مخالفة القواعد الدولية

2016/12/07

سركيس نعوم

ليست دول الشرق الأوسط وشعوبها وحدها هي التي تتساءل بقلق عن سياسات ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد تسلمه سلطاته الدستورية. بل يشاركها التساؤل باحثون كبار في واشنطن ومسؤولون سابقون عايشوا أزماتها وحروبها وشاركوا في محاولة معالجتها. فأحد هؤلاء يعتقد أن الإسرائيليين لم يُفاجأوا بفوز ترامب لعدم ثقتهم في استطلاعات الرأي. ويقول إن ما يهمّهم فيه هو توافر ثلاثة أمور عنده: الأول التعلّق بإسرائيل بل متابعة احتضان أميركا لها. والثاني فهم جيد لكل “عناصر الشر والأذى” في المنطقة. والثالث استمرار الاعتماد المضمون على أميركا كحليف عسكري لإسرائيل. لكنه يلفت الى أن الأمر الأخير لم يوضع على محك التجربة بعد، ولذلك فإنه غير أكيد حتى الآن رغم أن مواقف ترامب خلال حملته الانتخابية تضمنت الأمرين الأولين. ويشير الى أن الرئيس الجديد قد يستثمر خلافيْن رئيسيَّين بين اسرائيل وأوباما هما الاتفاق النووي مع ايران والصراع مع الفلسطينيين. علماً أن الخلاف الأخير قد لا يكون كبير الأهمية جرّاء الضعف العام للفلسطينيين ولا سيما لرئيس “سلطتهم” محمود عباس. لكن الاختلاف على النووي يمكن أن يركّز عليه ترامب في مطلع رئاسته استناداً الى سلبيته تجاه إيران النووية “المتصالحة” مع العالم. وعلماً أيضاً أنه ليس هناك تحديد حتى الآن لقضايا الأمن القومي في رأيه.
ويعتقد باحث أميركي آخر جدي أن “عدم ثقة ترامب بواشنطن” مكّنته من “الإمساك” بشريحة كبيرة من الأميركيين المدفوع بعضهم بالولاء الحزبي الأعمى وبالشعبوية الغاضبة، وبعضهم الآخر بالأذى الذي لحق به جرّاء تفاوت المداخيل والمشروع الصحي لأوباما وفرص العمل المحدودة. ويعتقد أيضاً أن ترامب تعاطى بذكاء مع الموجة المعادية للمؤسّسة (استابليشمنت)، وتعاطى مؤيدو الجمهوريين بذكاء مماثل في انتخابات الكونغرس التي رافقت الرئاسية، ففازوا بغالبية في مجلسيه. ومن شأن ذلك مع تعيينات المحكمة العليا التأثير على السياسة الاجتماعية لعقدين أو ثلاثة. ما هي سيناريوات ترامب؟ يأمل مؤيدوه، استناداً إلى الباحث نفسه في أن ينفذ بسرعة خططه للبنى التحتية خالقاً بذلك فرص عمل كثيرة لأصحاب الدخل المتدني، وأن يبدل “أوباماكير” بـ”أوباماكير” آخر مع احتمال توسيع العناية الصحية على المستوى الوطني العام. علماً أن مواقفه الملتبسة من “الحرب على الإسلام” تقود الى زيادة “التعذيب” وفرض قيود على مسلمي أميركا وقصف مدفعي من دون تمييز في الشرق الأوسط. ومن شأن ذلك دفع مشكلة الإرهاب الدولي الى التفاقم.
أما الباحث الثالث وهو مسؤول سابق، فهو دنيس روس الذي يقول إن المجتمع الدولي يعرف ماذا يتوقّع من ترامب، وإن عليه أن يطمئن حلفاء بلاده قبل أن يتولى الرئاسة رسمياً. إذ أن التطمينات والالتزامات ضرورية جداً في أوقات الشدّة كما هي الحال في هذه المرحلة. فحلف شمال الأطلسي مهم. وكذلك الدول السنّية العربية ولا سيما في ظل هدف ترامب تدمير “دولة الخلافة الاسلامية”. ولذا من الضروري إشراك السعودية والدول المشابهة لها في هذا العمل، اذ من دونها لا يمكن إفقاد أيديولوجيا التطرّف والإرهاب الاسلامي السنّي صدقيتها.
ماذا عن روسيا؟ العلاقة الدافئة مع روسيا جيّدة نظرياً إذا كانت في الاتجاهين. أما إذا أراد ترامب السنّة الى جانبه فعليه أن يتعاطى مع سوريا بحذر وحرص. وفي المرحلة الراهنة تقصف حلب وتُدمّر وقد تكون أُخضعت كلها حين يتسلّم سلطاته الدستورية. وذلك قد يؤهله للمطالبة بوقف نار وبعلاقات ديبلوماسية تمهّد لاستعادة الأسد كامل السلطة. واذا كان ذلك هدفه فعلاً عليه أن يُخبر موسكو أن أميركا ستردّ إذا تابع الأسد مسيرته العنفية الكبيرة. فضلاً عن أن على روسيا أن تفهم أن هناك نتائج لمخالفة القواعد الدولية أو العالمية.
طبعاً، يضيف روس، أفصح ترامب المرشّح مراراً عن رغبته في الخروج من الشرق الأوسط. لكن غالباً ما يغيّر المرشحون مواقفهم عندما يصبحون رؤساء. والحصيلة النهائية لأي أزمة إقليمية ستتوقف على أعضاء إدارته ومستشاريه. ونظراً الى الوضع الحالي في المنطقة حيث الفلسطينيون منقسمون أكثر من أي وقت، والايرانيون مصممون على التوسع، والسعوديون وسط “ثورة متنكِّرة باصلاح اقتصادي”، فإن الحلفاء التاريخيين لأميركا في إسرائيل والدول العربية السنّية يحتاجون الى أميركا قوية الآن أكثر من أي مرحلة سابقة.


“مسّاح” الشرق الجديد

2016/12/07

سمير عطاالله

20 شباط 2003، قال جورج بوش الثاني ، في خطاب خلال مأدبة رسمية: “نلتقي هنا اليوم في مرحلة دقيقة من تاريخ أمتنا والعالم المتحضر. ان جزءاً من ذلك التاريخ كتبه الآخرون. الباقي سوف نكتبه نحن”. الذين سمعوه، أو قرأوا ذلك الكلام، شعروا أن العالم مقبل على خراب فادح: رئيس الولايات المتحدة، المعروف بجهله للتاريخ، القديم أو المعاصر أو الحديث، مصاب بالغرور، وفوقية لوثة الحرب.
كان بوش الثاني محاطاً برجال في مثل فئته، نائبه ديك تشيني، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد. وهذه المفرزة قررت أنها سوف تغيِّر الشرق الأوسط. أو ما سماه وزير خارجيته كولن باول، المفترض أنه متعقل ومعتدل، “الشرق الأوسط الجديد”. والشرق الأوسط الجديد كان يقتضي في خطة المفرزة البوشية، ضرب العراق، ثم سوريا، ثم ايران. ثم بسط الديموقراطية في الدول الثلاث. ثم يذهب “العالم المتحضر” إلى النوم مرتاحاً، لا يتطفل أحد على احلامه السعيدة.
بعض الذين ايَّدوا فكرة ضرب العراق في الصحف العربية كانوا يقولون إننا امام يابان أخرى: يخلع الاميركيون النظام، ويفككون النزعة العسكرية، ويبعثون ماك ارثر جديداً إلى بغداد لإرغامها على الاقتناع بأن الامبراطور ليس إله الشمس. لكن الاميركيين دخلوا العراق، فوجدوا فيه عراقيين. واكتشفوا أن فكرة أن التاريخ يكرر نفسه، انطباع ساذج، لأن التاريخ قائم على المفاجأة، لا على ادب المقارنات. والجهل بالتاريخ الحديث أنسى بوش الثاني ومفرزته أنه قبل ربع قرن فقط، هُزمت اقوى قوة في التاريخ في مستنقعات وحقول الأرز، في فيتنام وكمبوديا واللاوس.
اعتقد أن كل شيء بدأ في العراق. بوش الثاني ارسل، بدل ماك آرثر، بول بريمر، الكاوبوي المتمدن، وبالتالي من دون قبعة وسيعة، ربطة عنق ومعها حذاء رياضي. من تلك اللحظة، بدأ كابوس الخراب في الشرق الأوسط الجديد والقديم، الذي لم يبق أحد إلا وحاول تغييره. يروي هيرودوتس، “أبو التاريخ”، أن عاصفة دمرت الجسور التي بناها الامبراطور الفارسي أحشويرش لعبور الدردنيل من آسيا إلى اوروبا. “فغضب غضباً شديداً وأمر بجلد المضيق 300 جلدة ورمي اغلال حديدية فيه لتقييده”.
وقف وزير خارجية فرنسا، دومينيك دو فيلبان، أمام الأمم المتحدة، يعرض تاريخ الحروب في أوروبا وما فعلت بالقارة، ويناشد واشنطن عدم معاقبة الدردنيل. ولعل دونالد رامسفيلد كان يرد عليه، عندما قال لاحقاً، ان القارة القديمة اصبحت عجوزاً. نسي أنها اصبحت حكيمة ايضاً، ولذا، قال جاك شيراك إن الحرب سوف تفتح أبواب الجحيم. أو اكثر من جحيم.
كنت بين الذين كتبوا يومها أنه في ظلام الاحتلال والديكتاتورية، سوف يعشب الارهاب ويخصب. ولكن لم يكن يخطر في بال، أو في مخيّلة احد، أن بعض الضباط الذين صرفهم الكاوبوي بريمر من الجيش العراقي، سوف يعوضون مذلتهم بالمشاركة في إقامة “داعش”.
الديموقراطية بالمظلة، التي حاولها جورج بوش، حاولها باراك أوباما من تحت. شجع “الثورات” العربية التي تحولت إلى خليط مفجع ومضحك من الاخوان المسلمين، والسلفيين، والليبرالين، ووائل غنيم. ولا تزال في ذاكرتنا جميعاً صورة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، تعرض ابتسامتها العريضة في “ميدان التحرير”، أو تخاطب معارضي سوريا بالقول “اقتلوهم”. كما في الذاكرة خطاب رئيسها اوباما عن حسني مبارك: “ارحل، أمس”.
خُيّل إلى معارضي الأنظمة، من تونس إلى سوريا، أن واشنطن أعدت لهم كل اسباب الدعم. ها هي تطل ومعها لحاف الديموقراطية، وبطانية الحريات. وليس على مبارك فقط أن يرحل، بل على الأسد أيضاً. وذهب سفيره روبرت فورد من دمشق إلى حماه. وإذ اقتضت المعركة ضد القذافي احضار حاملة الطائرات إلى البحر الليبي، أُحضرت. وقُصِف الأخ العقيد واعتقل في مصرف صحي. اما العدو الآخر صدام حسين، فتُرك لعدالة القانون العراقي، يُنَفّذ فيه حكم الاعدام صبيحة عيد الأضحى.
تلك هي “الفوضى الخلاقة”. لكن الفوضى كانت في السياسة الاميركية، وليس فقط في صفوف خصومها. ورسم اوباما خطوطاً حمراء في كل مكان، ثم نام عليها. وفي غفوته الطويلة، ظهرت في المنطقة قوتان عسكريتان، روسيا وايران. وعندما رأتا ماذا حدث لـ”الشرق الأوسط الجديد” الاميركي، سارعتا إلى رسم شرقهما الجديد، مبنياً على ابقاء الانظمة بدل تغييرها، وعلى الدفاع عنها بالاساطيل والصواريخ، فيما تراجع أوباما إلى مجرد شريك لأيران في العراق، وانسحب من كل مكان آخر، يجرجر خلفه خطوطه الحمراء، مكتفياً بإرسال وزيره جون كيري إلى عواصم أوروبا، يفاوض ويحاضر، ثم يحاضر ويفاوض. وآخر ما قاله في عبقريات السياسة الاسبوع الماضي، أن “المسعى السلمي لا يزال على قيد الحياة”.
طُبع التصريح بأحرف ملونة في مطابع حلب. وحوَّله أطفالها إلى لازمة في نشيد المدينة. وعزفت الفرق الموسيقية في الحدائق أوبرا اشتركت فيها امهات المدينة، وطاف الاطفال في الشوارع يغنون بصوت فرح واحد: كيري، كيري، شكرا كيري، ماتت حلب، وبقي المسعى السلمي حياً!
رأى مثل هذا واكثر في فيتنام، عندما قاتل المستر كيري هناك. وشهود الحرب العالمية الثانية يقولون إن حلب لم تصل بعد إلى ما وصلت إليه درسدن وبرلين على ايدي الحلفاء، أو فرصوفيا على يدي هتلر، فلماذا التسرع؟ خصوصاً أن هذا الباهت بان كي-مون، يعد بيانا جديداً يعرب فيه هذه المرة، ليس عن القلق فحسب، بل عن القلق البالغ.
هناك تمساح اسمه الاسرة الدولية. وهذه الاسرة تغط في النوم وغير النوم، فيما دول العالم تتمزق وأُسر العالم تتشقق، وفلاديمير بوتين يدك حلب حتى الرماد، لكي يمحو من ذاكرة التاريخ ما فعله ستالين ببرلين.
بدأ بوش الثاني برسم شرقه الاوسط من بغداد، ويبدأ بوتين المتكرر، برسم شرقه من حلب. وسوف يكون هذا الشرق دموياً اكثر من الماضي. وسوف يصغي العالم إلى مزيد من لغة العنف والفظاظة. والعالم المتمدن الذي يمثله الآن دونالد ترامب، الذي يحشو ادارته بجنرالات العنف والعنصرية والرفض، لكي يعطي العالم فكرة بسيطة عما ينتظر أهل هذا الكوكب بعد 20 كانون الثاني المقبل.
أيام أنور السادات أُدخل الكاتب الساخر محمود السعدني السجن لأنه قال لصديق له على الهاتف “داكَ (ذاك) موِّتنا من البكا، ودا حيموتنا من الضحك”. لا حل وسطاً. انتهى العصر الذي كان فيه “العالم المتمدن” ينتخب الرجال الذين يصنعون الازدهار والسلام والوئام. موجة عاتية من لغة الحروب آتية في كل مكان. وروسيا ترث في الشرق الأوسط
“أميركا مريضة” كما ورثت أوروبا الامبراطورية العثمانية المتهالكة. ولن ينفع جنرالات ترامب في شيء. لقد رسم بوتين الخريطة ووضعها في جيبه. تابعوا ما يحدث عندما يحكي، أو بالأحرى عندما لا يحكي. راقبوا ماذا حدث عندما “صَمَتّ” على تصريحات رجب طبيب اردوغان وكيف سارع هذا إلى توضيحها: خارج السياق، ومجتزأة، يا صاحب السيادة. شاهدتُ مرة فيلم رسوم متحركة للكئيب تشارلي براون: “هل تسمح لي يا سيدي الذئب بأن اصارعك وانتصر عليك”؟
ضحك الذئب وانصرف سعيداً إلى النعاج والحملان. عليك أن تختار من التاريخ الامثولات التي يجب أن تختارها، وليس التي يطيب لك اختيارها. احداها أن هواة الحروب لا يتوقفون عند شيء. داريوس ونابوليون وهتلر. بدأت حرب بوش الثاني على العراق في 20 آذار، وسقطت حكومة صدام في 9 نيسان. لكن الحرب نفسها لم تنته بعد. الغطرسة تنتهي دائماً بالهزيمة، يقول هيرودوتس. وإذا لم تفد روما وفارس وبريطانيا والمانيا واميركا، فلا يمكن أن تفيد روسيا القيصرية أو السوفياتية.
الدرس الأول في التاريخ، اياك والمقارنة. العراق ليس اليابان. حلب ليست قزوين. الشرق الأوسط سوف يمضي وقتاً طويلاً قبل أن يظهر فيه ديغول أو اديناور، أو من يؤسس لوحدة اوروبا مثل موريس شومان، أو فيلي برانت آخر. نحن بلاد داحس والغبراء. وفي امكاننا أن ندمر الأرض من أجل فرس وحصان، ثم نصفق لعنترة وقد خطر له تقبيل السيوف لأنها لمعت كثغر عبلة مبتسماً للدماء.


العقيدة الفكرية

2016/12/07

د. طرفة عبدالرحمن

ليست طريقة كلامك وهندامك العام وحدها ما يفصح عن ذوقك وعلمك وثقافتك الاجتماعية والتربوية.. أمور أبسط من تلك قادرة على رسم جزء كبير من ملامح شخصيتك، وقادرة على التحدث عنك بكل وضوح.. إنها باختصار وسائط الاتصال البشري الافتراضية؛ تغريداتك على موقع «تويتر» صورك على «انستغرام» فيديوهاتك عبر «سناب تشات» رسائلك عبر «واتساب».. كلها تقول من أنت، وربما يكفي برنامج واحد فقط تستخدمه ليقدم تحليلا نفسيا شاملا عنك.. بعض الأفراد لا تحتاج أن تتفحصه كثيرا لتفهم مدى سذاجته أو نفاقه او حتى ذكائه وعمقه.. ربما من عدة تغريدات أو رسائل عبر «واتساب» تفهم مدى سطحيته أو عمقه، تفهم خلله أو نضجه..

علينا محاولة تجويد مصادر المعلومات والاخبار التي نتلقاها، وأن نتورع في تمرير المعلومات او الاخبار غير الموثقة او تلك التي تحمل أيدولوجيات او اتجاهات سلبية لأنها باختصار تشكل ذاتك ووعيك وصورتك الذهنية عند الآخرين..

إن طريقة عيشك في الحياة، وقراراتك وتصرفاتك التي تتخذها في المواقف المختلفة هي بالأساس نتاج معلوماتك، وخبراتك ووعيك، وطريقة تفكيرك، وأخيرا هي نتاج تنشئتك الاجتماعية والثقافية.. لذلك يقال ان الإنسان ابن بيئته لا يستطيع ان ينفصل عنها فكريا وسلوكيا.. وبشكل عام الأفراد يميلون إلى التشابه والتماهي مع الجماعة والمجتمع العام ولا يحبذون الاختلاف لذلك هم يتناقلون في افعالهم ما ارتضاه المجتمع واقره في العرف والعادة، وليس هناك خلل في ان يتشابه الأفراد في طريقة تفكيرهم ويتواترون في أفعالهم العامة على سلوكيات معينة إلا في النواحي التي تهدد مصلحة او حرية بعض الفئات في المجتمع أو أن يتواتروا على فعل عادات انسانية غريبة تجعلهم محط استهجان ثقافي من قبل المجتمعات الأخرى أو أن يعتادوا سلوكيات سلبية عامة بلا شعور بالعيب أو الخلل.. ما يجب ادراكه او على الأقل التفكير فيه هو؛ انه لا يجوز في العقيدة الفكرية والعقلية الحرة ان تكون منصاعا لطريقة تفكير معينة تجعلك احادي الاتجاه لا تقبل الا بمسار او منهج معين في قبول الحقائق والمعلومات والأفعال لمجرد أن المجتمع أقرها أو تواتر عليها..

يقال ان إحدى الطرق لتوسيع مداركك ان تقرأ ما يخالف قناعاتك وليس ما يتفق معها، هذه الطريقة هي احدى الأدوات لتبدأ في التفكير بشكل مختلف.. ليس عليك تغيير قناعاتك او نهجك، الأهم في كل شيء ان تكون لديك سعة افق وصدر وخلق تجعلك متقبلا للمختلف.. تجعلك قادرا على خلع رداء النقد المستمر لكل ما يخالف توجهاتك.. لو طبق الأفراد هذه القاعدة الفكرية بأبسط أبجدياتها لوصلنا إلى مرحلة متقدمة من احترام الحريات والحقوق والنقد المهذب والأفق الواسع والمنطق العقلاني.. المشكلة الراهنة ان الجموع البشرية من الجماهير تميل الى تلقي وترويج الأفكار والمعلومات التي تتفق مع ميولها أو التي تخدم مصالحها بصرف النظر عن مدى صدقها ومدى سلبيتها وسوداويتها.. لذلك نجد الانتشار في تناقل الشائعات بلا حياء أو تحرز وعدم التورع في التصريح بالأفكار التطرفية سواء في العادات الاجتماعية او القضايا الدينية..

في كل العلوم، الدينية والطبيعية والإنسانية، الذين يفكرون بتجرد وخارج المألوف هم «الصفوة» هم «النخبة».. فالمؤمنون المتدبرون في الكون والخالق والذين يطرحون الأسئلة الكبيرة والثقيلة بدافع التدبر والإيمان هم الأعلى منزلة في المؤمنين.. وفي العلوم الطبيعية الذين خرجوا عن قواعد التفكير المألوف هم اصحاب الفضل في الاختراعات العلمية الكبيرة التي غيرت حياة البشر.. اما في العلوم الإنسانية فأصحاب النظريات الفلسفية والاجتماعية والنفسية هم الذين خرجوا لنا بقواعد القوانين الاجتماعية التي فسرت معظم مشاكل السلوك البشري والفعل الاجتماعي في كل مناحيه السياسية والاقتصادية والثقافية، لأنهم استخدموا أدوات التفكير والمنطق العلمي والتجرد خارج المألوف.. كلنا قادرون على التفكير بهذه الطريقة وأولى درجات السلم «التجربة».. إذا أردت أن تغير حياتك، غير طريقة تفكيرك..


شجاعة كيري المتأخرة

2016/12/07

مفتاح شعيب

وهو على وشك توديع منصبه، اكتسب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري شجاعة نادرة مكنته من مهاجمة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني واتهامه برفض السلام عبر معارضة قيام دولة فلسطينية، وهو موقف لن يقدم أو يؤخر بالنسبة إلى واقع الحال، لأنه جاء بعد فوات الأوان، ولأنه كلمة حق يحاول قائلها أن يضع من خلالها خاتمة طيبة لمسيرته المهنية، ولكنها لن تفيده في شيء.
يكاد أغلب المسؤولين الأمريكيين، وهم على حافة مغادرة مقاعدهم، لا يفوتون فرصة مغازلة المشاعر الفلسطينية والعربية بكلمات «نارية» تجاه الاحتلال مكنت العديد منهم من استثمارها في وقت لاحق لاعتبارات شتى. كذلك فعلت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في عهد الرئيس بيل كلينتون وقبلها وارن كريستوفر، وحتى الرئيس الأسبق جيمي كارتر. وأثبت الواقع أن تلك التصريحات كانت من قبيل الكلام العابر الذي يتبخر بسرعة، بينما يستمر كيان الاحتلال في سياساته التدميرية لمقومات الدولة الفلسطينية وأسس السلام المزعوم. وكان كل ذلك يجري أمام ناظري المسؤولين الأمريكيين المتعاقبين من وزراء ورؤساء. وما يطرحه الفلسطيني خصوصاً من تساؤلات حول هذه المواقف، يرسخ لديه قناعة بأن وزير الخارجية الأمريكي الذي لم يستطع فعل أي شيء عملي وهو في أوج السلطة، لأعجز من أن يفعل ذلك وهو في فترة انتقالية أو هو بعيد عن منصبه، لكنه لن يقدر على التلاعب بمشاعر المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية وبإجرام السياسيات الصهيونية المسعورة.
ربما يكون تصريح كيري مهدئاً ويستبق مرحلة خطيرة ستبلغها مشاريع الاستيطان في الأشهر المقبلة مع تسلم إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب مقاليد البيت الأبيض، فحكومة الاحتلال تتجهز بحزمة من «القوانين» لشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية بما يسمح لها بفرض آلاف الوحدات السكنية على أملاك خاصة للفلسطينيين. وبقياس المسافات والمساحات، تعني مصادرة كل هذه الأراضي واغتصابها قضاء نهائياً على المجال المفترض للدولة الفلسطينية، لأن الضفة الغربية والقدس الشرقية ستكون جزءاً من الكيان، وحينها لا يمكن لحلم الدولة أن يتحقق بين جزر شاسعة من المستوطنات، وهو ما يطرح تحدياً خطيراً للغاية أمام الشعب الفلسطيني ومن يؤمن بعدالة قضيته في كل مكان. فالسكوت والاطمئنان إلى «حبوب التهدئة» التي يطلقها كيري أو الخضوع لصلف الكيان الصهيوني وغطرسته، سيقود إلى مأزق خطر تتم خلاله مصادرة حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المفترضة على الأراضي المحتلة عام 1967، مثلما تنص كل الوثائق والمعاهدات الدولية منذ اتفاقية أوسلو 1993، التي تأسست بضمانات أمريكية.
بعد أخذ كيان الاحتلال خطوات لشرعنة البؤر الاستيطانية، أطلقت السلطة الفلسطينية تحركاً دولياً لمحاولة إبطال هذه المخططات الخبيثة، وستتوجه إلى جهات دولية عدة منها مجلس الأمن الذي يمكن أن يتم فيه اختبار موقف كيري إذا انعقدت جلسة أممية، وحينها سيرى الفلسطينيون إن كانت ستستخدم المندوبة الأمريكية في المجلس سامنتا باور حق «النقض» لمنع أي إدانة للكيان أم هي ستمتنع عملاً بتوصية من كيري، الذي سيغادر منصبه بعد شهر، من دون أن يترك أثراً طيباً قد يذكره به الفلسطينيون، بعدما أمضى أربع سنوات على رأس أكبر وزارة خارجية في العالم، ولم يلتفت إلى القضية الفلسطينية، إلا بتصريحات خالية من المضامين السياسية، لم تخدم الفلسطينيين بشيء، ولكنها منحت الكيان هامشاً واسعاً من المناورة والتسلط والغدر.

عن محنة أمة

2016/12/07

د. ناصر زيدان

ما تشهده بعض الساحات العربية من ويلات؛ أكبر من أن يُوصف. المأساة الإنسانية التي تُرافق الأحداث، أصبحت جُرحاً بليغاً يحتاج إلى وقتٍ طويل لعلاجه، وما يُصيب العمران والبُنى التحتية من دمارٍ وخراب على أرض الواقع، أكثر بكثير مما نراه على الشاشات.
لن نعود إلى البعيد ووصف كل ما جرى منذ أكثر من أربعة عقود، خلال الحروب على فلسطين وفي حرب لبنان وفي غزو الكويت وفي حرب العراق إيران وفي اضطرابات السودان والصومال.. لكن الإطلالة على المحن التي أصابت ساحات عربية عدة منذ غزو القوات الأمريكية وحلفائها للعراق في عام 2003 حتى اليوم؛ تكفي لتوضيح صورة الكارثة التي وقعت في عدد من الساحات العربية، وأصابت شظاياها الأمة العربية بأكملها.
صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية؛ أصدرت عدداً خاصاً بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تحدثت فيه عن نكبات الوطن العربي المُتتالية منذ عام 2003. وقد يكون الأمر بمنتهى الأهمية عندما يصِف المُراقِب من بعيد ما يجري، فتكون الصورة مختلفة، وغير مرتبطة بحسابات المحاور وتفاصيل السياسة المحلية التي قد تُبرِر هذا الفعل، وتغفِل عن ذكر مبررات الفعل الآخر، والصورة البعيدة تُظهِّرُ المشهد بإجماليه، من دون أن تتأثر بوجع المأساة.

مما تقوله «نيويورك تايمز» على صفحاتها في ذلك العدد الخاص الآنف الذكر: «إن العرب يحاربون بعضهم ويدمّرون بلادهم».. هذا صحيح في جانب ولكنه غير صحيح في جانبٍ آخر، لأن التدخلات الخارجية تتحمَّل المسؤولية عن جُملة واسعة من الاضطرابات والحروب، وهذه التدخُلات ناجمةٌ عن أطماع في توسيع النفوذ والهيمنة، وعن صراعات دولية وإقليمية أفسحنا نحن لها المجال لكي تنخر في عظامنا العربية، من دون ان يكون للعرب أي مصلحة في هذه الصراعات، على العكس من ذلك؛ فإن البعض من الدول الإقليمية والعالمية الكبرى، رأت في أجزاء من مناطق المساحة العربية مكاناً مثالياً لتصفية الحسابات فيما بينها، وقد ساهمنا نحن في فتح الأبواب أمام بعض القوى للتسلُّل إلى ساحاتنا تحت شعاراتٍ شكلية خالية من المضمون وغير عقلانية، ومنها شعارات لها علاقة بالتمايزات الدينية الواهية، وبعض هذه الشعارات عبارة عن مزايدات غالباً ما تكون غير صادقة تتعلَّق بقضية فلسطين العادلة.
وتذكُر «نيويورك تايمز» أن 70% من ضحايا العمليات الإرهابية التي يقوم بها أشخاص عرب أو من أصول عربية هم من العرب أنفسهم». في تلك الإشارة «المدروسة» رسالةٌ واضحة للعرب خصوصاً وللمُسلمين عموماً، تُفيد بأن أسلوب الإرهاب والترويع الذي اعتمده البعض؛ كان أسلوباً مُدمراً وقاتلاً، وزاد من ويلات الأُمة، وشوَّه سمعة العرب والمسلمين، من خلال سلوك تعرُجات مؤلِمة وقاسية ووحشية، ليست من شيم العرب والمُسلمين، خصوصاً عندما تستهدف الأبرياء، أو الانتظام العام، أو المُنشآت الحيوية التي يستفيد منها كل الناس. وعندما تُشير الصحيفة ذاتها في مكانٍ آخر قائلةً: «من حقِ «إسرائيل» ان تشعُر بالراحة والأمان وهي تتفرَّج على العرب يُدمرون أنفسهم وهي ليست مسؤولة عن ذلك»(!) في تلك الإشارة شماتةً واضحة تُسيء إلى العرب، لكنها في المقابل تُلقي الضوء على الجهات التي تقف وراء مساعدة الإرهابيين ودعمهم، كون هؤلاء أساؤوا للعرب واضرُّوا بمصالحهم أكثر مما أضرُّوا بالآخرين.
أمَّا ما يُدمي المشاعر العربية أكثر فأكثر؛ فهو في إشارة»نيويورك تايمز» في العدد ذاته إلى الأرقام المهُوّلة، والمُخيفة للخسائر العربية في الأرواح والممتلكات منذ عام 2003، نذكُر منها على سبيل المثال: أن غزو العراق من قِبل القوات الأمريكية وحلفائها في عام 2003 وتداعياته؛ تكلف أكثر من 1,455590 قتيلاً عراقياً، عدا عن الجرحى والمُعوَّقين والمُشردين، وكلفةُ هذه الحرب قدرتها مصادر الصحيفة بما يزيد على 706 بلايين دولار، من دون حساب قيمة الدمار والأضرار المادية الأُخرى.
التقارير الدولية التي تتناول بعض جوانب ما يجري في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال؛ تؤكد أن البُنية الإنتاجية في هذه الدول ضُرِبت بما يجاوز ال 70%، أما استعادة الوضع العمراني والخدماتي إلى ما كان عليه في ذات الدول؛ فيحتاج إلى مبالغ مالية خيالية تفوق ال1000 بليون دولار، إضافة إلى سنوات عديدة من الزمن، هذا فيما لو توقف القتال حالياً، ولكن لا توجد مؤشرات جدية على نهاية المأساة حتى اليوم.
لم يسبق أن وصل مستوى الانحطاط في الوضع العربي العام إلى هذا المستوى، فهل نتعِظ من كل هذه المآسي لنخرج من زمن المِحن؟


التحوّل التاريخي الثالث في النظام العالمي

2016/12/07

عاطف الغمري

يتفق علماء السياسة – الذين يستلهمون نظرياتهم، من التجارب الواقعية والتحولات في النظام العالمي – على أننا نعيش الآن مرحلة تشييد نظام دولي جديد، لن تكون فيه دول عديدة في العالم مجرد كيانات تحركها قوى كبرى حسبما تريد أو حتى أنها تكون مجرد مراقب، لما تقرره هذه القوى، لأن ما يجري في المرحلة الراهنة هو ولادة نظام دولي حقيقي، سيكون مختلفاً عن الأنظمة التي سبقته تاريخياً.
أحد الذين رصدوا التحولات الراهنة بتوسع، المفكر الأمريكي – من أصل هندي – فريد زكريا في كتابه «ما بعد العصر الأمريكي»، والذي صار مرجعاً للكثيرين ممن تابعوا من بعده دراسة التحولات الجارية في العالم، ووضعية أمريكا فيها مستقبلاً، ويرون أن تغييرات تحدث الآن، وهي ما زالت تفتقر إلى الفهم الجيد لها، رغم ما حظيت به من مناقشات كثيرة، ورغم الحديث عن قرب بزوغ عصر جديد، إلا أنه يبدو أن العالم لن يكون كما ألفناه، بل سيكون مختلفاً للغاية.
وفي تقدير زكريا، فإن العالم قد مر بثلاثة تحولات في بنية القوى العالمية، خلال الخمسمئة سنة الأخيرة. الأول كان بظهور العالم الغربي، عبر عملية بدأت في القرن الخامس عشر، وتواصلت بشكل سريع في أواخر القرن الثامن عشر، وتوجت بسيطرة سياسة طويلة المدى للدول الغربية.
والتحول الثاني، بدأ مع نهايات القرن الثامن عشر، بظهور الولايات المتحدة والتي راحت تكتسب مقومات تحولها إلى أقوى دولة في العالم، مهيمنة على السياسة، والعلم، والثقافة والاقتصاد العالمي.
ثم كان التحوّل الثالث في العصر الحديث الذي نعيشه الآن، والذي برزت فيه دول كانت صغيرة خلال العقود الأخيرة، وحققت معدلات غير مسبوقة في النمو الاقتصادي، وبشكل لم يكن متوقعاً، وظهر بصورة واضحة في آسيا، لكنه لم يتوقف داخل حدودها الجغرافية، بل امتد إلى دول أخرى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا.
وهذا لا يمنع من ملاحظة أنه رغم ازدهار الرخاء في هذه الدول، إلا أنه لا يزال هناك مئات الملايين يعيشون في ظروف الفقر، وإن كانت معدلات دخل الفرد قد بدأت تتحسن تدريجياً، خاصة في دول يسكنها 80% من شعوب العالم، نتيجة تدافع حركة النمو في العالم.
ومن المؤكد أن النمو الاقتصادي على وجه التحديد، هو الذي يمثّل قوة الدفع الحقيقية نحو التحول القادم في النظام الدولي.
والظاهر أن إعادة توزيع مواطن القوة بمختلف أبعادها، الصناعية والمالية، والتعليمية، والثقافية، والاجتماعية على دول متعددة، من شأنه أن يخرج هذه الدول من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية. لأننا نتحرك من إطار ما عرف «بالقرن الأمريكي» الذي استمر طويلاً، إلى عالم يدار من أماكن متعددة، وبإرادة شعوب متنوعة وهذا هو جوهر التحوّل القادم.
وبصرف النظر عن هذه النظريات، أو على وجه الخصوص، التوقعات المستندة إلى التحليل السياسي للتجارب الواقعية، فإن هناك دلائل أخرى تشير إلى ما يحرّك هذه التحولات، ومن أهمها التخبط الذي لحق بالسياسة الخارجية الأمريكية مؤخراً، ما أفقدها قدرتها على الإمساك بزمام التحكم في حركة الأحداث في العالم، وأيضا بسبب عدم قراءة الإدارة الأمريكية، القراءة الصحيحة لهذه الأحداث وتداعياتها المستقبلية، بالإضافة إلى انقسام النخبة في أمريكا، بين من يتشبثون بعدم تخلي أمريكا عن مبدأ الهيمنة على العالم، وبين من بدأوا يقرأون العالم وما يجري فيه قراءة جيدة، وينصحون بتغيير السياسة الخارجية، حتى لا تصطدم بالمسار التاريخي للتحولات، ومنهم هنري كيسنجر الذي قال إنه يتوقّع أن تكون أمريكا في النظام الدولي القادم، واحدة ضمن مجموعة قوى متساوية.
ولا شك أن استلهام علماء السياسة لنظرياتهم وتوقعاتهم، كان منبعه ما أثبتته تجارب العشرين سنة الماضية، من أن نجاح الدول التي حققت قفزات في التنمية الاقتصادية، قد تبعتها بعد ذلك قفزات في تأكيد مكانتها الإقليمية والدولية، لتصبح مهيأة لتكون شريكاً فعلياً في إدارة النظام الدولي الجديد.
وهو ما ينطبق عليه معايير التحول الثالث في القوى العالمية، بمعنى أن النمو الاقتصادي، القائم على الإبداع والابتكار التنافسي، هو الآن قاطرة صعود أية دولة، وتأكيد مكانتها ونفوذها في النظام الدولي، الجاري تأسيسه.


3عقد قانونية ل«إسرائيل»

2016/12/07

عبد الحسين شعبان

ثلاث عُقد قانونية دولية ظلّت «إسرائيل» تواجهها بعنف من جهة، واستخفاف من جهة أخرى، بل إنها تتحدى المجتمع الدولي بخصوصها، وهذه العُقد الثلاث تتعلق بوجودها، وحدودها، ومستقبلها، خصوصاً باتساع دائرة المطالبة بالتزامها قواعد القانون الدولي.
العُقدة الأولى: (الوجود) وهي تتعلق ب(البرنامج النووي «الإسرائيلي»)، الذي بدأ منذ الخمسينات، وقد فضح مردخاي فعنونو «الفني «الإسرائيلي» بالصور والوثائق امتلاك «إسرائيل» ما بين 100 – 200 رأس نووي بقدرات تدميرية، بما فيها قنابل نووية حرارية، وقد كشفت ذلك صحيفة «الصنداي تايمز» في حينها، أما فعنونو فقد قضى حكماً بالسجن لمدة 18 عاماً.
والأمر لا يتعلق بتسريب أخبار على طريقة ويكيليكس، على أهميتها، بل إن هناك عدداً من العلماء المتخصصين من أيّد ذلك، بينهم تيودور تايلر الذي عمل رئيساً لبرنامج الأسلحة الذرية في «البنتاغون»، الأمر الذي يعني أن «إسرائيل» قوة نووية رئيسية، يمكن أن تكون في المرتبة السادسة في العالم على قائمة الدول النووية، ولكنها ترفض الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي تتشبث بهذا الموقف منذ العام 1968.
وفي الوقت الذي ترتفع الدعوات لمنع انتشار الأسلحة النووية، يتم غض النظر عن تطويرها القدرات العسكرية النووية، تحت ذريعة الهواجس الأمنية والعسكرية من المحيط العربي.
العُقدة الثانية: (الحدود) وهي تتعلق برفض «إسرائيل» التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المبرمة في العام 1982، التي دخلت حيز التنفيذ في العام 1994، وقد انضم إليها حتى الآن 167 دولة، في حين هي ترفض الانضمام إليها، بل إنها لا تعترف بالقواعد القانونية التعاهدية التي تم الاتفاق عليها. لماذا؟ الجواب باختصار: لأنها لا تريد ترسيماً لحدودها، سواء كانت بحرية أو برية، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تقر بحدودها، كما أنها الدولة الوحيدة بلا دستور، لأنها لا تريد إقرار مبادئ المساواة، الأمر الذي لا يعني سوى التمدد على حساب العرب، كلما كان ذلك ممكناً وفقاً لمشروعها العتيق بقيام دولة «إسرائيل» من النيل إلى الفرات، وهو مشروع حرب دائمة وعدوان مستمر.
جدير بالذكر أن دولة فلسطين التي تم الاعتراف بها كدولة غير عضو في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني العام 2012، وعضو كامل العضوية في منظمة «اليونيسكو»، انضمت إلى اتفاقية قانون البحار في العام 2014، ضمن عدد من الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها.
تحدد المياه الإقليمية ب 12 ميلاً، لكن «إسرائيل» كما تشهد الوقائع اليومية، تخرق تلك القواعد بصورة سافرة في ما يتعلق بالمياه الإقليمية لقطاع غزة، وتمنع السلطة الفلسطينية من ممارسة حقها في السيادة البحرية على حدودها، وذلك بفرض حصار غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي غير إنساني، وغير أخلاقي في انتهاك سافر وصارخ للقانون الدولي، ولا سيما لقانون البحار، كما تقوم بمنع الصيادين الفلسطينيين من الصيد في المياه الإقليمية.
وعلى الرغم من أن «إسرائيل» ليست طرفاً في اتفاقية قانون البحار، لكن ذلك لا يمنع من تقدم دولة فلسطين بالشكوى ضدها في المحكمة الدولية الخاصة بقانون البحار التي مقرها مدينة هامبورغ (الألمانية)، والهدف هو التعريف بالحقوق وتأكيدها أمام المجتمع الدولي، خصوصاً بالحجج القانونية والمسؤولية الدولية، لضمان التزام الدول الأخرى بالحقوق الفلسطينية، وهو جزء من معركة طويلة الأمد، خصوصاً أن الاتفاقية تعطي الدول حقوقاً سيادية بعمق 200 ميل بحري كمنطقة اقتصادية خالصة في ما يتعلق بالموارد الطبيعية وغيرها، بما فيها الغاز الطبيعي الذي هو مصدر تنازع كبير، لا سيما قبالة ساحل غزة.
والأمر يخص لبنان أيضاً، فقد ارتفعت شهية الأطماع «الإسرائيلية» بسبب احتياطات الغاز والنفط المحتملة بالقرب من الشواطئ اللبنانية، وانفجر النزاع بشأنها في العام 2011، ولا يزال مستمراً، وهو يشمل قبرص أيضاً.
العُقدة الثالثة: (المستقبل)، ف«إسرائيل» تدرك أن تطبيق العدالة الدولية ليس في مصلحتها، ولهذا السبب انسحبت من نظام محكمة روما الذي أبرم في العام 1998 ودخل حيز التنفيذ في العام 2002. وفي الوقت الذي ذهبت إلى التوقيع عليه تكتيكياً في اللحظات الأخيرة قبل إغلاق باب الانضمام لتكون دولة مؤسسة، فإنها انسحبت منه بعد دخوله حيز التنفيذ، والسبب يعود إلى وجود نص يتعلق بالاستيطان الذي تعتبره المحكمة الجنائية الدولية «جريمة تستحق المساءلة والعقاب».
وإذا كانت «إسرائيل» قد انسحبت من نظام روما ومعها الولايات المتحدة، فإنهما لم يوقعا أساساً على اتفاقية قانون البحار، أي أن «إسرائيل» لا تتصرف وحدها في مخالفة القانون الدولي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي، بل هي تحظى بدعم أمريكي مستمر على جميع الصعد المادية والمعنوية، وإلا كيف يسمح لها وهي بؤرة للتوتر، بعدم إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية؟
وتبقى المعركة مع «إسرائيل» لها أوجه متعددة، سياسية واقتصادية وثقافية ودبلوماسية ودولية وإعلامية، خصوصاً في ما يتعلق بمواجهة هذه العقد القانونية التي تكشف حقيقة دولة «إسرائيل»، ومخالفتها لقواعد القانون الدولي.
ويأتي قرار «اليونيسكو» بإبطال نظرية الهيكل التي تحاول «إسرائيل» التعكز عليها تاريخياً لإثبات عائدية المناطق المقدسة في القدس، فرصة تاريخية مناسبة يمكن توظيفها باتجاه الدعوة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة حول بطلان قرار ضم القدس الذي اتخذه «الكنيست «الإسرائيلي»» العام 1980، مثلما هو دعوة لتحمل الدول الكبرى لمسؤولياتها، ولا سيما بريطانيا، وذلك بمناسبة مرور 100 عام على وعد بلفور الذي سيصادف العام القادم، ومطالبتها بالاعتذار والتعويض، لتمكين الشعب العربي الفلسطيني من نيل حقوقه غير القابلة للتصرف، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.