نحن من طرد نفسه

2016/12/14

د. نادية القناعي

عندما وُجه سؤال إلى أحد المفكرين عن سبب التحاق الشباب، وحتى المتعلمين منهم، بالجماعات المتطرفة، وما يتبع ذلك من قتلهم لأنفسهم بطريقة غير إنسانية البتة، أجاب: إن جلد الذات هو السبب، وربما يكون السبب الرئيسي لذلك.
أتفق معه أن جلد الذات قد يوصل الإنسان إلى درجة قريبة من فقدان العقل، حيث يتصرف الإنسان بناءً على وجدانه. فالذي يجلد ذاته يمعن في تعذيبها حتى يصل به الأمر إلى القضاء عليها، ظناً منه أن هذا الفعل سيخفف من عذابات ضميره، فهو كمن يستعين بالرمضاء بالنار.
البشر قساة كثيرا على أنفسهم، فكما يقول غوته: «نحن من نطرد أنفسنا من جنتنا». جلد الذات ليس حلاً، إنما تهذيبها هو الأجدى. وحسب ما قرأته وسمعته فان كثيرا من الحالات التي تؤدي الى جلد الذات سببها المجتمع وليس الفرد، أي أن طبيعة وثقافة مجتمعه هما يدفعان به إلى هذه الخطوة، التي تعتبر خطوة إلى الوراء.
ستخف حالات جلد الذات إذا ما فصلنا بين رؤية المجتمع وبين الفطرة السليمة المكونة للأخلاق، وكذلك ستخف هذه الحالات إذا زادت ثقة الإنسان بنفسه، فجلد النفس أو الذات يتناسب عكسيا مع الثقة بها.
منذ عامين كنت في إحدى الدول الأوروبية، حيث كانت الثلوج تغطي المكان، على الرغم من الجو والبرد القارس لمحت إحدى الفتيات تسير في هذا الجو من دون ارتداء لمعطف، حينها حللت الموقف بأنها ربما لا تشعر بالبرد! إلى أن قرأت عبارة لفيلسوف يقول فيها: «أنا لست سعيدا لأنني أتدفأ، بل أتدفأ لأَنِّي سعيد». فربما كانت هذه الفتاة تحاول تعذيب ذاتها، لكنها لم تجن إلا مزيدا من الألم.


غموض المستقبل مع أميركا

2016/12/14

خالد أحمد الطراح

ليس جديداً أن تخرج إلى المشهد الإعلامي تقارير صحافية ورسومات وتعليقات تندر وسخرية، كلما جاء رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية، فبيئة الإعلام وحرية التعبير مختلفة تماما عن الحريات في الشرق الأوسط ككل؛ فالرئيس الاميركي ليس بمنأى عن النقد بقسوة او سخرية من السياسيين ووسائل الاعلام.
لكن، ان لم اكن مخطئا، لا أتذكر ان هناك شبه اجماع اعلامي عالمي في ردود فعل كثير منها ساخرة تصدرت الصحف والمجلات في اوروبا والعالم ككل منذ الساعات والايام الاولى بعد اعلان فوز الرئيس المنتخب ترامب، الذي اثار كثيرا من الجدل خلال حملته الانتخابية وتنبؤات بعدم فوزه، سواء من داخل المجتمع الاميركي او خارجه.
تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب ترامب لم تترك بلداً او شأنه حتى الكويت إلا ووضعه أمامه في مواقف مثيرة ومستغربة، بما في ذلك العديد من الملفات الاميركية المحلية التي تتسم بالتمييز العنصري، وفقاً لرأي كثير من المحللين السياسيين.
لم يكن فوز الرئيس ترامب وحده مثيرا، وإنما أيضا ما تردد عن ترشيحه لشخصيات ذات تاريخ مثير للتحفظ من قبل المحللين الاميركيين والغربيين والعرب ايضا، ما حدا ببروز صورة مستقبلية مضطربة وضبابية لمستقبل العلاقات الاميركية العربية والشرق أوسطية بشكل عام.
الصورة الضبابية، أو بالأحرى الغموض لمستقبل العلاقات الاميركية ـــ العربية والخليجية على وجه خاص، تستدعي من دول مجلس التعاون الخليجي الخروج من الرؤى التقليدية والجلوس إلى طاولة مباحثات ومراجعة لكل السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة، خصوصا في ظل تباين في المواقف الخليجية من بعض التطورات السياسية الاقليمية والدولية.
هذا لا يعني اتخاذ موقف مسبق من ادارة الرئيس الاميركي المنتخب ترامب، وانما الاعداد لتحرّك جماعي خليجي لأي تعقيد او سيناريو قد يتحوّل الى مفاجآت حتى يكون هناك صوت خليجي موحّد جاهز، يترجمه موقف اتحادي واضح المعالم والاهداف، وليس دبلوماسية يطغى عليها الحياء والافراط في المجاملة!
هناك مؤشرات نحو مستقبل غير آمن للوضع في منطقة الخليج والشرق الاوسط بشكل عام، خصوصا في ظل ما يتردد عن اتصالات اميركية مع منظمات ذات تاريخ ارهابي ودول حاضنة لها في المحيط الخليجي، وهو ما يستدعي استعدادا خليجيا موحدا سياسيا وعسكريا، وربما الخطوة المُثلى ليس انتظار اي تعقيد محتمل، وانما المكاشفة مع مؤسسات القرار الاميركي والرئيس المنتخب شخصيا حتى تبدو دول الجوار الخليجي والعربي موحدة في المواقف، وليست متباينة!
لو حدث وكان هنا تباين خليجي ـــ خليجي، وخليجي ـــ عربي فسيكون له ثمن مكلف جدا، اذا لم تستوعب دولنا التغيير الاميركي المحتمل، ولم تتغير سياسة التخطيط الاستراتيجي.
التعاون المشترك ضمن اتحاد خليجي يحمل أهدافاً مشتركة، تحافظ على أمن دول الخليج العربي وسلامتها.


قنابل سلمية

2016/12/14

أحمد الصراف

يقول فولتير: «إن من حقنا استخدام أقلامنا وكأنها ألسنتنا، وتحمل مخاطر ذلك الاستخدام». ويقول: «أن تمسك بالقلم يعني بصورة تلقائية انك في حرب مع الآخرين. ولكن هذه الحرب لا يمكن أن تكون شرعية إن لم تدعم بصدق الموقف والقضية عما تتكلم أو تكتب».
فجر زعيم الكنيسة الكاثوليكية، عدة قنابل منذ تسلمه سدة البابوية في الفاتيكان. وتأتي أهمية البابا كونه الرأس الديني لأكبر تجمع ديني عرفته البشرية، حيث يبلغ عدد الروم الكاثوليك اليوم اكثر من مليار و200 مليون، %40 منهم في أميركا الجنوبية. وكانت آخر قنابل البابا العقائدية، والتي ستكون لها تداعياتها على المؤمنين بكل الأديان، التي تعرف بالسماوية، ما ذكره قبل بضعة اشهر من أنه، ومن خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة، فإنه اكتسب فهما جديدا لبعض العقائد. وأن الكنيسة لم تعد تعتقد في الجحيم، حيث يعاني الناس، فهذا يتعارض مع الحب اللّامتناهي للإله. فالله، بمفهومه، ليس قاضيا ولكنه صديق ومحب للإنسانية. والله لا يسعى إلى الإدانة، وإنما فقط إلى الاحتضان. وقال انه لا ينظر إلى الجحيم كجهنم، بل مجرد كناية عن الروح المعزولة، والتي ستتحد في نهاية المطاف، على غرار جميع النفوس، في محبة الله.
وقال البابا إن جميع الأديان صحيحة وعلى حق، لأنها كذلك في قلوب كل الذين يؤمنون بها. وفي سؤال عن هل هناك وجود لأنواع اخرى للحقيقة؟ قال إن «الكنيسة في الماضي، كانت قاسية تجاه الحقائق التي تعتبرها خاطئة من الناحية الأخلاقية، أو تدخل في باب الخطيئة. اما اليوم فنحن لم نعد قضاة، نحن بمنزلة الأب المحب، ولا يمكن ان ندين أطفالنا». وقال إن كنيستنا كبيرة بما يكفي لتسع أصحاب جميع الميول، وللمؤيدين للحياة ومؤيدي الإجهاض! للمحافظين والليبراليين والشيوعيين الذين هم موضع ترحيب، والذين انضموا الينا. نحن جميعا نحب ونعبد نفس الإله.
وأضاف: عرفت الكنيسة تطورات مهمة، وهي اليوم ديانة حداثية وعقلانية، وإن الوقت حان للتخلي عن التعصب، والاعتراف بأن الحقيقة الدينية تتغير وتتطور، فهي ليست مطلقة او منقوشة فوق حجر. وأن بإمكاننا، من خلال أعمال الحب والمحبة، أن نجعل غير المؤمن يقر بالله ومن ثم بتخليص روحه، ليصبح بذلك مشاركا نشطا في فداء البشرية. واضاف: عندما ننشر الحب والجمال في العالم فإننا نلمس إلهنا ونعترف به. الانجيل كتاب مقدس جميل، لكنه ككل الاعمال العظيمة القديمة هناك بعض الاجزاء منه تحتاج إلى مراجعة.. لتتناسب مع رسالة الحب والحقيقة التي سطعت من خلال الكتابة. وفقا لفهمنا الجديد، يختم البابا: «سوف نبدأ في ترسيم نساء «كرادلة» وأساقفة وكهنة. وآمل في المستقبل أن تكون لدينا في يوم من الايام امرأة «بابا». فلتشرع الابواب أمام النساء كما هي مفتوحة أمام الرجال»!
والآن هل بالإمكان تعلم شيء من كلام الحبر الأعظم؟


برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا

2016/12/14

عبدالله الهدلق

اقترحت بلاد فارس (إيران) تشكيل كتلة من الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الاقتصادي ! على أن تشمل منافستها الإقليمية المملكة العربية السعودية ، وقال من يُسَمَّى رئيس البرلمان الفارسي الدِّهقان (علي لاريجاني) إنه ينبغي على إيران والسعودية إلى جانب تركيا ومصر والعراق وباكستان الاندماج من أجل تعزيز السلام الإقليمي والدفاع عن (الفلسطينيين !) ، وكانت المملكة العربية السعودية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بلاد فارس (إيران) في يناير بعد جريمةِ الإيرانيين المتمثلة بمهاجمة واقتحام وحرق السفارة السعودية في طهران ، والقنصلية السعودية في مشهد بتحريضٍ من النظام الإيراني احتجاجاً على إعدام نمر النمر .

وكانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت عن تأسيس تحالفٍ عسكري لمحاربة الإرهاب يضم 34 دولة معظمها إسلامية ، ومن بين الدول المشاركة في التحالف دول من آسيا، مثل تركيا والأردن، وإفريقيا، مثل نيجيريا، والعالم العربي، مثل مصر، وتونس، وليبيا، لكن التحالف استبعد بلاد فارس (إيران) بسبب سجلها المخزي والمُشين في دعم وتسليح وتمويل الإرهاب العالمي ، وجاء الإعلان عن هذا التحالف في وقتٍ تزايدت فيه الضغوط الدولية على دول الخليج العربي لبذل المزيد من الجهد في محاربة تنظيم (داعش) وكان مفروضاً أن ينسق التحالف الجديد الجهود ضد المتطرفين في العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، وأفغانستان ومنطلقاً من يقظة العالم الإسلامي في محاربة التطرف الديني الذي أضر بالعالم الإسلامي وشوَّه صورةَ الإسلام ، وبما أنَّ كل بلد إسلامي يحارب الإرهاب حالياً بمفرده لذلك فإن تنسيق الجهود أمر مهم جدا .

وقد نبعت فِكرةُ التحالف من حقيقة أن الإسلام يحرم الفساد، والتدمير ، وأن الإرهاب تدميرٌ «انتهاكٌ خطيرٌ للكرامة الإنسانية» ، وتشارك المملكة العربية السعودية حالياً في التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم (داعش) كما أنها تقود تحالفاً عربياً في اليمن ضد المتمردين الانقلابيين الحوثيين المدعومين من بلاد فارس (إيران) ، والمتحالفين مع ميليشيات شاويش اليمن المخلوع صالح ، وتضم قائمة الدول الـ (34) الأعضاء كلاً من المملكة العربية السعودية، والبحرين، وبنغلاديش، وبنين، وتشاد، وجزر القمر، وساحل العاج، وجيبوتي، ومصر، والغابون، وغينيا، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، وماليزيا، والمالديف ومالي، والمغرب وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، وباكستان، وقطر، والسنغال، وسيراليون،والصومال، والسودان، وتوغو، وتونس، وتركيا .
واقتراحُ بلاد فارس (إيران) مرفوض فكيف تزعم حاضنةُ الإرهاب العالمي وداعمته وممولته ومُسلحته أنها تكافحه وتحاربه ؟! و (مُخطِئٌ من ظَنَّ يوماً * أنَّ للثَّعلَبِ ديناً) و (هل رأيتَ شِفاءً جاءَ مِن سَقَمِ ؟ !) ، ومن رَحِمِ النظام الفارسي الفاشي الإيراني ولِدَ الإرهاب العالمي وفي أحضان بلاد فارس (إيران) نما وترعرع وبدعم وتمويل وتسليح الفرس الإيرانيين تنامى الإرهابُ العالمي وتمدد ، فكيف يُحارِبُ الإرهابَ ويكافحه من أنشأهُ ورعاه وصدَّره للعالم ؟! ، ونقول للنظام الفارسي الفاشي الإيراني (هذهَ بِضاعَتُكم رُدَّت إليكُم) .


الإخوان طلاب سلطة وفي كل بلد عندهم خطة

2016/12/14

أحمد بودستور

قال الإمام علي كرم الله وجهه :
لاخير في ود امرئ متملق حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثق وإذا توارى عنك فهو العقرب
المثل الفرنسي يقول (الغش ينقلب على صاحبه) وهو ينطبق على تنظيم الإخوان المسلمين الذين يتخذون من الدين مطية للوصول إلى أهدافهم وهم غالبا مايفشلون لأن الآية الكريمة تقول (على نياتكم ترزقون) ولكن للأسف فهم لايستفيدون من الدروس والمحن والمصائب التي تتكالب عليهم ويكررون نفس الأخطاء لأنهم بلا عقل فهم يتم تحريكهم بالريموت كونترول من المرشد والتنظيم العالمي للإخوان.
الجدير بالذكر أن هذا التنظيم هو فكرة المخابرات البريطانية ومن قام بتأسيس التنظيم هو المرشد الأول لهم حسن البنا في مصر سنة 1928 ومن ذلك التاريخ وهو يخططون للقفز والاستيلاء على السلطة وهم من كان وراء حريق القاهرة الشهير أيام الملك فاروق وكذلك اغتيال النقراشي باشا ومحاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر سنة 1954 في الاسكندرية وبعدها بدأت رحلتهم في السجون حيث تم إعدام منظر التنظيم سيد قطب سنة 1965 لأنه كان يقود الجناح السري للانقلاب على الحكم وكان يحرض في كتبه على الثورة ومن أشهر ماكتب (معالم على الطريق) ولعل من أشهر أقواله أن الوطن هو حفنة من تراب نتن وقد خرجت كل التنظيمات الإرهابية بعد ذلك مثل التكفير والهجرة والتحرير وحتى القاعدة وداعش من تحت عباءة تنظيم الإخوان فهو التنظيم الأم ومايؤكد ذلك كلام البلتاجي في أحداث رابعة في مصر أن العمليات الإرهابية في سيناء سوف تتوقف بمجرد عودة المخلوع محمد مرسي إلى حكم مصر والأكيد أن أكبر نكبة لتنظيم الإخوان هي إزاحتهم عن الحكم في 30 يونيو 2013 فهم كانوا يخططون لحكم مصر 500 سنة ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
مادفعني للكتابة عن تنظيم الإخوان هما حدثنان وقعا يوم الأحد الموافق 11 ديسمبر الجاري أولهما الاعتداء الذي استهدف كنيسة قرب الكاتدرائية المرقسية مقر بابا الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية وسط القاهرة والذي راح ضحيته 25 قتيلا معظمهم من النساء والأطفال وعشرات الجرحى وهم يؤدون طقوس الصلاة في الكنيسة وهو طبعا عمل إرهابي تفوح منه رائحة الفتنة . إن المتهم الأول في هذا العمل الإجرامي البشع الذي يرفضه الدين الإسلامي جملة وتفصيلا ولايمت للإسلام بصلة هو تنظيم الإخوان المسلمين والجماعات التابعة له فهم يريدون أن يثاروا لهزيمتهم النكراء وهدفهم هو تقويض نظام الحكم وعودة الرئيس المخلوع مرسي مرة أخرى لمنصب الرئاسة وطبعا هذا عشم إبليس في الجنة .
لاشك أنه ليس هناك لديه ذرة من عقل من يقر هذا التفجير الإرهابي، ولا يقوم به إلا خسيس وجبان لأن الجيش المصري وأيضا رجال الأمن والشرطة منتشرين في مصر ويستطيع هؤلاء المجانين المجرمين مهاجمتهم وهنا قد نتفهم أنهم تنظيم يتحدى النظام ويريد إسقاطه ولكن لماذا يهاجم الكنائس وهم أيضا لا يتورعون عن مهاجمة المساجد وقتل المصلين كما حدث في مسجد الصادق بالكويت ومساجد أخرى في السعودية واليمن والعراق الذي تقوم به داعش التي هي تتبنى نفس إيدلوجية الإخوان وفكرهم التكفيري.
نقول أن مصر والأمة العربية والإسلامية بل العالم أجمع ابتلي بهذا التنظيم الدموي الذي يرتبط بعلاقات مشبوهة بالمخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والإيرانية لأنهم ينفذون أجندة صهيونية إيرانية من أجل تفكيك وتمزيق الأمة العربية والإسلامية.
أما الحدث الثاني وهو الخلاف والجدل والضجة التي آثارها النائب جمعان الحربش بعد فشله في الفوز بمنصب نائب رئيس مجلس الأمة الذي فاز به النائب عيسى الكندري وكان بالإمكان أن تمر هذه القضية مرور الكرام بدون ضجة واتهام مبطن للحكومة وطلب إحالة القضية إلى اللجنة التشريعية وبعدها إلى المحكمة الدستورية ولكن لأن النائب الحربش ينتمي للحركة الدستورية التي هي الذراع السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في الكويت وهو مايؤكد أن هذا التنظيم يسعى إلى السلطة وأعضائه طلاب للسلطة فهم نراهم يستذبحون على المناصب .
إن طبيعة تنظيم الإخوان في الكويت تختلف عن طبيعته في مصر أو في الأردن أو في المغرب فهم لهم كما ذكرت في عنوان المقال في كل بلد خطة وطريقة للوصول إلى السلطة ويتلونون على حسب الظروف فنجدهم يحكمون تركيا وكذلك في المغرب رئيس الوزراء ينتمي لتنظيم الإخوان ولكنهم على قلب رجل واحد ويتحركون بناء على تعليمات من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي أيضا لايتحرك إلا بناء على أوامر من المرشد حتى لو كان مسجونا ومحكوم عليه بالإعدام في مصر.
ختاما لا نقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل على هذا التنظيم الذي يضمر الشر للإسلام والمسلمين ويخطط لإقامة الخلافة الإسلامية وهو غطاء حتى يتم شرعنة مايقومون به من جرائم وأعمال دموية إرهابية باسم الإسلام والإسلام بريء منهم والمصيبة أنهم مغيبون ويعتقدون أنهم على حق تماما كما يدعي الطرف الآخر بالمظلومية ونقصد هنا نظام الولي الفقيه الذي نصب نفسه مدافعا وحاميا عن الطائفة الشيعية الكريمة وهو في واقع الأمر لديه مشروع توسعي مجوسي لإحياء الإمبراطورية الفارسية ولذلك يلتقي المرشد الإخواني والمرشد الإيراني على هدف واحد هو تدمير المسلمين وتقديمهم لقمة سائغة لحفدة القردة والخنازير الصهاينة في إسرائيل.


تفجير الكنيسة البطرسية.. أزمة الدولة مع المفاهيم

2016/12/14

أحمد أبو دوح

تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية فتح جروحا عميقة لا تريد مصر الاقتراب منها. الإرهاب يشهد خروجا عن السيطرة. لم تعد المشكلة في عجز قوات الأمن وأجهزة الاستخبارات عن إحباط هجمات تستهدف الأقباط بإصرار. المشكلة صارت بنيوية.

في سعيه لتحقيق أي شكل من أشكال الاستقرار، يقع النظام في مصر في فخ انعدام الاستقرار. كل يوم يموت فيه أحد رجال الشرطة أو الجيش يشير إلى أن استراتيجية السلطة في مواجهة الإرهابيين تعمل بنجاح، وسياستها في مواجهة الإرهاب تزداد فشلا. النظام المصري يحارب الإرهابيين، وبشكل غير مباشر يدعم الإرهاب.

كيف يحدث ذلك، بينما شرعية الحكم التي حظي النظام من خلالها بقبول المصريين هي وضع حد لحكم الإخوان المسلمين ومحاربة الإرهاب؟

النظام في مصر يتكون من الرئيس والجيش وأجهزة أمنية سيادية تتحكم جميعها في المشهد السياسي الداخلي، وتشكل ملامحه وتتلاعب بأوراقه طوال الوقت. هذه البنية السياسية تحتاج إلى مرجعية شعبية هي مجلس النواب، وأخرى قانونية تتمثل في القضاء، مازال ينقص الشرعية الدينية. هنا تكمن المشكلة.

المرجعية الدينية في مصر تنبع من مباراة أزلية لإحراز النقاط بين الأزهر والسلفيين. منذ سبعينات القرن الماضي وجد الأزهر شرعيته كمرجعية وحيدة تتآكل تدريجيا في مواجهة فكر سلفي وافد خصوصا من دول خليجية تشهد وفرة كبيرة في عوائد النفط، ويحظى بدعم من الدولة لمواجهة صخب اليساريين والناصريين.

الاعتدال الذي كان الأزهر يمثل منارته كان نابعا من قدرته على التحرك والمناورة بحرية في ساحة الدين التي لا ينافسه فيها أحد. اليوم صار له شركاء كثر يستولون منه على الأرض، ونجحوا تدريجيا في السيطرة على مجال الأزهر الحيوي وهو المسجد.

بعد ذلك ظهرت أشرطة الكاسيت ثم القنوات الفضائية التي دخلت كل بيت، بالتوازي ذاع صيت سلسلة طويلة من الكتب التي وضعت لاحقا الأسس لفلسفة الجهاد في العالم الإسلامي كـ”معالم في الطريق” لسيد قطب و”الفريضة الغائبة” لمحمد عبدالسلام و”كلمة حق” لعمر عبدالرحمن وغيرها. طوال هذه الفترة لم ينتج الجيش الجرار من علماء وشيوخ الأزهر كتابا واحدا، ولم يطلق قناة فضائية، ولم يعقد مؤتمرا وحيدا قادرا على مواجهة هذا المد السلفي الكاسح، أو معادله الإخواني في الداخل. خسر الأزهر معركة العقول، واستسلم أمام انهيار دفاعاته هو أيضا وتدفق السلفيين والإخوان المسلمين ليحتلوا عقله الأكاديمي، ووجدان الأمة بأسرها.

كانت النتيجة النهائية هي تحول الأزهر إلى قلعة يشع منها الفكر السلفي والإخواني، بعد أن اتخذ صيغة رسمية. أخيرا اكتمل الضلع الناقص للمرجعيات الأربع في مصر وهو ضلع المرجعية الدينية.

المأزق هنا أن دور الأزهر وفقا للعرف السائد منذ ثورة يوليو 1952 مكنه من التدخل في كل شيء. أفلام السينما والروايات والكتب والمقالات صارت تمر أولا على مصفاة دينية يشرف عليها مشايخ الأزهر. المناهج الدراسية ورسائل الدكتوراه في الجامعات وحتى البرامج التلفزيونية صارت تخضع لرقابة صارمة على المحتوى من قبل “السلطة الدينية” غير الرسمية التي صار يمثلها.

الواقع المهيمن اليوم هو أن المظلة الدينية للنظام الرسمي في مصر هي تعاليم السلفية المتشددة وفلسفة الإخوان اللتان صارتا تتحكمان في كل ما يجري داخل الأزهر.. لكن هذا ليس كل شيء.

خلال الصراع السياسي الطويل بين الدولة والإخوان المسلمين، كانت هناك دائما فترات تعزيز للقبضة الأمنية عبر اعتقال معظم قادة الإخوان، خصوصا عندما كان يشعر النظام بخطر حقيقي. ما عدا هذه الفترات، كانت العلاقة قائمة على الاتفاقات المتبادلة وعقد الصفقات السياسية، التي كان آخرها تمكن الإخوان من الاستحواذ على 88 مقعدا في برلمان عام 2005، بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة التي جمعت بين المجلس العسكري والجماعة في مرحلة ما بعد ثورة يناير 2011.

لكن كان هناك دائما دستور ثابت وموزع على كافة الأجهزة الأمنية، يتضمن تعليمات واضحة بأنه بغض النظر عن مسار العلاقة مع الإخوان المسلمين، سيحافظ الأمن دائما على علاقته التي لا مفر منها بالسلفيين.

أغلب الذين يشغلون اليوم مواقع المسؤولية داخل الأجهزة الأمنية، التي تحولت في وظيفتها إلى أحزاب سياسية، ينتمون إلى الجيل الذي تربى على التعاليم الدينية الجديدة على مصر. معظمهم من مواليد الستينات وأوائل السبعينات. هذا جيل كبر على أن المرأة لا تتحرك من دون محرم، وأن أهل الذمة مازالوا ملزمين بدفع الجزية، والنقاب “فضيلة” إن كانت المرأة تحب الاستزادة في دينها.

مشكلة علاقة “الطبقة الأمنية” في مصر بالسلفيين تكمن في تعقيدها. القيادات الأمنية وأصحاب القرار داخل أكثر الأجهزة حساسية يؤمنون حقا أن رؤوس السلفية كمحمد حسان وياسر برهامي ومحمد حسين يعقوب وغيرهم هم من يمثلون صحيح الدين. العلاقة لا تقتصر على تفاهمات سياسية أو تنسيق أمني فقط.

هذا التشابك العضوي في الرؤى والعقيدة بين النظام الحاكم بكل مؤسساته والسلفيين جعل من الأقباط الضحية. انتشار مفاهيم تكفير المسيحيين، وذيوع مصطلحات “أهل الذمة” وتحريم معايدة القبطي في مناسباته الدينية كانت القشرة الظاهرة على السطح الذي يكمن أسفله توغل أعمق بكثير للتشدد في وجدان المجتمع.

الهجمات المكررة على كنائس ودور عبادة مسيحية في قرى صعيد مصر أو في الدلتا ليست حوادث عابرة. هذا تعبير لا يحمل أي درجة من شك عن مدى تحول السلفيين إلى قادة لهذا المجتمع المحاصر.

تقاعس الأزهر وكل المؤسسات الدينية الرسمية في مصر عن الإقدام على أي خطوة تجاه تجديد الخطاب الديني هو نتيجة طبيعية لعدم إيمان هذه المؤسسات بأن الخطاب الديني يحتاج أصلا إلى أي تجديد. دعوات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نفسه إلى مراجعة المناهج الدراسية على الأقل، أو إعادة النظر في الرسائل التي يقدمها المشايخ للشباب، كانت تستقبل بفتور وعدم اكتراث من قبل هذه المؤسسات التي تعرف جيدا أن النظام غير جاد في ما يطلبه.

يكفي عشر دقائق فقط لتبادل حديث ديني على أي مستوى مع أحد قيادات الدولة في مصر، كي تدرك أن هذا النظام لن يقوم بتجديد أي شيء.

ليس غريبا استهداف الأقباط في مجتمع كهذا. طالما ظل هذا الفكر مسيطرا على المجتمع، من أعلى طبقاته الحاكمة وصولا إلى قراه في أطراف البلد، سيظل الإرهابيون معتقدين أن المسيحيين هم العقبة الأولى أمام تحقيق حلم الدولة الإسلامية “النقية”، وستظل الدولة تحارب الإرهابيين بينما تتحالف مع الإرهاب.


انتصار الأسد: تبييض الجريمة بتسعير الحرب المذهبية

2016/12/14

علي الأمين

مهما كانت النتيجة في شرق مدينة حلب، فالثابت أنّ العالم وقف، ولا يزال، متفرجا على أكبر عملية قتل وتدمير طالت مدينة في هذا القرن. يجري تبييض الجريمة بعنوان الإرهاب. هكذا يتحول قتل الأطفال وتشريد أبناء المدينة وتدميرها الممنهج إلى أمرٍ عادي لا يهتز له العالم، فقط بذريعة محاربة الإرهاب.

الانتصار الذي بدأ النظام السوري يتحدث عنه ليس سوى انتصار للجريمة وللاستبداد، وهو أيضا انتصار للمقتلة التي نفذت ضد هذه المدينة بالتعاون بين روسيا وإيران ونظام بشار الأسد، وما بينهما من ميليشيات. والأهم هو التغطية الدولية التي جعلت من جريمة الحرب هذه مجرد قتال عسكري بين جيش وعصابات إرهابية، متعامية عن حجم الإجرام الذي ارتكب بحقّ الشعب السوري طيلة السنوات الماضية، وعن مطالبته بحقوقه الدنيا كشعب وكمواطنين في دولتهم.

التدمير ليس لسوريا فقط، ولا لمدنها ولا لأريافها ولا لنسيجها الاجتماعي فحسب، بل التدمير الأكثر أهمية وأكثر عمقا هو الذي يحاول النظام السوري وحلفاؤه تحقيقه، يطال حق الحياة بحرية. إذ لا يتيح هؤلاء ولا المجتمع الدولي من ورائهم أي مجال لإحداث تغيير سياسي يتيح المجال لإعادة الأمل في بناء سوريا. المطلوب هو تدمير إرادة السوريين وجعل البلد بما تبقى من أهله في حال من الطواعية لكلّ ما يمكن أن يكبّل به من اتفاقيات دولية وإقليمية.

هذا هو الانتصار، ذلك أنّ النظام السوري لو كان يعبّر ولو بحدود بسيطة عن نظام المصالح الوطني السوري، لكان أدرك منذ البداية أنّ الانتصار الحقيقي هو في المحافظة على مقومات الدولة البشرية والمادية، بتقديم بعض التنازلات الحقوقية والسياسية لشعبه، لكن هذا النظام الذي طالما صادر الحريات باسم القضايا الكبرى سواء فلسطين، أو شعار حماية الدولة وحدودها وسيادتها، أثبت أنـّه مستعد لتدمير كل البلد والتنازل عن السيادة، وتقديم كل شيء على مذبح البقاء في السلطة. هذا ما تظهره الوقائع حتى اليوم، القرار الرسمي السوري أصبح في يد روسيا وإيران، فيما الملايين من المهجّرين السوريين ومئات الآلاف من القتلى هم مجرد أرقام تجري عملية تبييض الجريمة التي ارتكبت بحقهم تحت أنظار العالم وبرعاية الأمم المتحدة.

الانتصار الذي حققه بشار الأسد هو انتصارٌ لروسيا وإيران، وسيتعيّن على الأسد أن يلتزم أكثر بمقتضيات السياسة التي سيفرضها المنتصران. وما سيزيد من مأزق الأسد وحلفاؤه هو العجز عن توفير الاستقرار لسلطته ونظامه، وما سيزيد من تفاقم الأمور هو أنّ الحرب أخذت أبعادا مذهبية يصعب تجاوزها لا سيما مع بقاء حكم الأقلية العلوية، وهي التي تستمد قوتها من قوة شيعية تمثلها إيران.

هذا الواقع بذاته كفيل بجعل الأزمة مستمرة، وكفيل بجعل حالة الاعتراض متنامية وستأخذ أشكالا مختلفة بعد سقوط حلب. بالتأكيد لن تكون الحرب النظامية، لكنّ أشكالا مختلفة من نمط حرب العصابات أو المزيد من الاغتيالات والتفجيرات ستكون وسيلة من وسائل مواجهة فصائل المعارضة لنظام الأسد.

وإذ تؤكد مصادر غربية أنّ ظاهرة تمدد نفوذ القوى الإسلامية المتشددة ستبرز أكثر فأكثر كلّما بدا أنّ المجتمع الدولي سيحامي عن فكرة بقاء الأسد في السلطة، وسيقدم مشروع المواجهة العسكرية ضد الإرهاب على التسوية السياسية والتأسيس لنظام ديمقراطي، وبالتالي فإنّ الشرخ سيتنامى بين النظام ومعارضيه، وستشكل السمة المذهبية اختصارا للمواجهة في الداخل السوري.

قبل نحو ثلاث سنوات كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد سقوط الموصل بيد تنظيم داعش، من أوائل الذين أعلنوا أنّ عملية الخلاص من داعش لها بعدان أمني وسياسي ولا يمكن الفصل بينهما، مشيرا إلى أنّ مواجهة هذا التنظيم تتطلب تسوية سياسية داخلية في العراق تكون السبيل لتوفير البديل عن داعش في البيئات التي نجح هذا التنظيم في استغلال حالة القهر داخلها.

لم يقل أوباما في حينها إنّ ذلك يتطلب جهدا دوليا وأميركيا يتجاوز التحليل إلى الممارسة. من هنا تبدو سوريا مثالا لما يمكن أن يصبح عليه الحال في المستقبل كلما تمسكت إيران وروسيا ببقاء النظام. فهذا بحد ذاته سيكون عنصر تفجير دائم في المشهد السوري، وعنصر استثمار دولي وإقليمي، بحيث سيدرك الجميع أنّ الحرب ستستمـر وأنّ الاستنـزاف سيستمر، في غياب أيّ تسـوية سياسية تنطـوي على تغيير سياسي ملموس ومقنع للسوريين. فالحرب على الإرهاب ليست شعارا في نموذج تطبيقاته في العراق وسوريا، ولكنه يشكل مدخلا لبناء استقرار سياسي في هاتين الدولتين، خصوصا وأنّ التطبيقات على الأرض لا تـزال تظهـر أنّ القهـر السياسي مستمر لفئات واسعة من المجتمع، ولم تزل وسائل الحرب المذهبية والطائفية، هي الأداة التي تتحلـق حولها فصائل الحرب، فيمـا يغيب عمليا أيّ مشروع سياسي وطني جامع وقادر على معالجة أسباب القهر تلك التي شكلت، ولا تزال، أرضا خصبة لنشوء جماعات الإرهاب والتطرف.

تسقط حلب الشرقية بالمعنى العسكري لكن عبر سحق كل ما يتصل بقيم الإنسان وحق الحياة وحق التعبير والاعتراض وحق التغيير الديمقراطي. يتمّ ذلك من دون أن يشكل ذلك تحديا للمجتمع الدولي، بل يكافأ نظام الأسد وحلفائه بالمزيد من تشجيعه على ممارسة أبشع الجرائم.

فما فعله هؤلاء طيلة أكثر من خمس سنوات يتناساه العالم اليوم، بل يشجع أكثر على المزيد من التورط في الإجرام والتهجير. أوَ ليس هذا ما رأيناه في سوريا، فكلما أوغل الأسد في القتل والتدمير كلما صار العالم مقرّا بأهمية بقائه ووجوده على رأس النظام.

هذا العالم لم يزل على عهده في بلادنا. هو عالم يحترم من يقتل أكثر من شعوب المنطقة. كانت إسرائيل في زمن مضى، أمّا اليوم فثمة من تفوق بدرجات عليها في القتل والتدمير ويستحق أن يبقى ما دام يحسن قتل الشعوب وقمعها.


سياسة الأمر الواقع لا تقيم عدلا ولا تبني أوطانا

2016/12/14

د. ماجد السامرائي

لو راجعنا كيفية وصول الأحزاب الإسلامية لحكم العراق لوجدنا أن من بين أسباب وجود تلك الأحزاب في الواقع السياسي العراقي بعد العام 2003 هي سياسة النظام السابق التي منعت العمل السياسي الحر، حيث كان بالإمكان قيام أحزاب وحركات مختلفة كان أضعفها التيار الديني وبينها حزب الدعوة الإسلامي والحزب الإسلامي العراقي، لكن مشروع الاحتلال الأميركي اختار بعناية مدروسة أحزاب المعارضة الشيعية، وأهمل التيار الليبرالي العروبي في تلك المعارضة على الرغم من أن الراحل أحمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي وهو مظلة جميع الأحزاب والتجمعات في ذلك الوقت، كان ليبرالياً حتى تحوله إلى الطائفية السياسية بعد احتلال بغداد واتهامه بالعلاقة المخابراتية مع إيران، كما أن إياد علاوي كان رئيسا لحركة الوفاق الليبرالية، إضافة إلى الحزب الشيوعي ومجموعة شخصيات عراقية عروبية مدنية وعسكرية كثيرة.

كان القرار الأميركي الذي صنعه لوبي الفوضى الخلاقة اليميني، هو الابتعاد عن كل ما هو علماني وليبرالي عروبي، لأنه لا يتوافق مع توجهات تلك الفوضى الساعية إلى خلق صراع طائفي عرقي لتفكيك المجتمع العراقي وإعادة بنائه على الأسس التي وجدناها في مؤتمر لندن للمعارضة نهاية العام 2002 وقيام مجلس الحكم بعد عام 2003 في بغداد.

أمام ذلك القرار الأميركي المدعوم باجتياح واحتلال عسكري، لم يكن أمام القوى الليبرالية العراقية سوى الرضوخ لسياسة “الأمر الواقع” من قبل الحاكم بول بريمر والأحزاب التي وجدت نفسها فجأة تتربع على كرسي حكم العراق.

ولعل بعضها، وخصوصا حزب الدعوة، لم يكن متوقعا هذا التطور السريع في تسليمهم السلطة، ويتذكر الجميع كيف أصدر حزب الدعوة في لندن بقيادة إبراهيم الجعفري إلى جانب الحزب الإسلامي العراقي ومنظمة حزب البعث السوري في بريطانيا بيانا استنكاريا لمشروع اجتياح العراق الذي بدأ التبشير به أواسط عام 2002، وكذلك الاحتجاج على الخطوات التحضيرية لمؤتمر لندن للمعارضة العراقية.

بل إن قيادة الحزب الشيوعي العراقي وهو الأكثر ليبرالية عن غيره وله تاريخ وطني طويل، اضطر أمينه العام للدخول في اللعبة البرلمانية على قائمة شيعية ليتمكن من الحصول على مقعد في البرلمان.

وانطلاقا من الاتهامات الموجهة لحزب البعث بأنه “صدامي” ومسؤول عن جميع الارتكابات ضد المواطنين، فقد تم اجتثاثه دستوريا، فكان من الطبيعي أن تنشأ عناوين لكتل انتخابية جديدة لا تمتلك مقومات الأحزاب السياسية التقليدية، ساعدتها في ذلك سذاجة قانون الأحزاب الذي صدر قبيل أول انتخابات عراقية.

اشتغلت الأحزاب الدينية وفي مقدمتها حزب الدعوة لكونه الحزب المنظم الأكثر نشاطا من الكتل الشيعية الأخرى على نظرية “فرض الأمر الواقع” التدريجي في إدارة العملية السياسية، خصوصا لانعدام التجربة السياسية وسيادة عقلية المعارضة.

وقد خدم قانون “اجتثاث البعث” الذي قرره بول بريمر تلك الأحزاب ومهد الطريق أمامها في سد الفراغ الشعبي والسياسي الذي تركه حزب كان يعتبر نفسه مليونيا، أغلب أنصاره هم اليوم أنصار للأحزاب الشيعية الحاكمة التي كانت بحاجة إلى هذا الجمهور بواسطة استثمار العاطفة الشعبية المذهبية التي كانت مكبوتة عند الكثيرين لكي تنقلها إلى ولاء لتلك الأحزاب.

كما استثمرت بذكاء لعبة المحاصصة الطائفية لتوزيع حصص السلطة عبر ما أطلقت عليه “الشراكة” على أساس الأغلبية والأقلية الطائفية، وهي معادلة لم يكن العراقيون يعرفونها في بلدهم، ولم تدعمها إحصاءات سكانية حيث لم يسجل الجنس الطائفي في ثبوتيات الأحوال المدنية العراقية.

وجرت مخادعة كبيرة في تركيبة نظام الحكم في الفترة الأولى عام 2005 مهدت لسياسة “فرض الأمر الواقع” حيث تمت الهيمنة على السلطة تحت عنوان “الشراكة”، في حين أن جميع المفاصل الحكومية والسياسية والأمنية قد تم الاستحواذ عليها من قبل حزب الدعوة وحلفائه من التيار الصدري ومجلس الحكيم والتنظيمات الصغيرة الأخرى. وكانت تلك وسيلة لإبعاد مسؤوليات سلطة الحكم في ما بعد، وتوزيع الفشل على جميع المنتسبين إلى الحكم وليسوا المشاركين خصوصا عند العرب السنة، لأن للأكراد وضعهم الخاص في الاتفاق الاستراتيجي الكردي الشيعي، وكذلك التركمان.

من هنا لم يتم بناء صرح سياسي ديمقراطي يعتمد على المشاركة السياسية والشعبية وفعالياتها في النقابات ومنظمات المجتمع المدني إلا نادرا، بل كانت الديمقراطية محصورة في طقسها الانتخابي. وسياسة التوافق لم تنفذ في القرارات الجوهرية، حيث سادت الترضيات خصوصا لدى من يدعون تمثيل العرب السنة في العملية السياسية، وهم جميعا لم يتبنوا مواقف مبدئية يدافعون عنها لكي لا تطيح بمكتسباتهم، خصوصا أن بعض قادة تلك الأحزاب كانوا يهددون أولئك السنة المشاركين بملفات فضائح متنوعة ما بين الفساد والإرهاب.

الأحزاب الشيعية كانت تعلم هذه الحقيقة وتتعامل وفقها لتحقيق فرض الأمر الواقع مع منح جزئيات محلاة لا تمس الثوابت الرئيسية لسياسة تلك الأحزاب، فقد كانت القرارات الكبرى تتخذ داخل أروقة البيت السياسي الشيعي ويتم تسويقها للكتل الموجودة داخل البرلمان.

وكانت شكاوى “سنة البرلمان والحكومة” محاولة الحصول على مكاسبهم تحت عناوين التوازن في المناصب الثانوية من غير الأعمدة الطائفية الثلاث (رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة) وهي ليست دستورية، بل وفق مقولة “التوافق” التي انتهى عهدها أخيرا في قانون الحشد الشعبي الذي تم وفق الأغلبية الشيعية داخل البرلمان أخيرا.

ولولا موضوع الأكراد الذي ظل ومازال يحمل خصوصيته لكان الأفضل للعراقيين أن يتم الإعلان الرسمي بحكم الأحزاب الشيعية للعراق وهو حاصل فعلياً، لكي تكون وجها لوجه أمام المسؤولية الشعبية والوطنية العليا.

ولقد كان نوري المالكي حين كان رئيسا للوزراء لثماني سنوات ورئيس حزب الدعوة أكثر جرأة من غيره في الإعلان بوقت مبكر عن ضرورة فض الشراكة الكاذبة والذهاب إلى الأغلبية السياسية وتعني الطائفية، لكن يبدو أن توقيتات فرض الأمر الواقع لم تحسب بدقة لصالح مكانة تلك الأحزاب، خصوصاً ما حصل في العراق من كوارث الفساد والأزمات وانعدام الأمن وغياب الاستقرار السياسي بفعل الصراعات الداخلية والخارجية٬ وهو ما لم تنتج عنه في النهاية مسيرة سياسية رصينة ومتينة تقود إلى إقامة مجتمع مدني وأحزاب سياسية قوية ومؤثرة. وعزز من حالة الصراع دور سلبي مارسته بعض الأحزاب العراقية على صعيد ارتباطها بالخارج وغياب المصداقية في شعاراتها وبرامجها.

فقد فشلت جميع الأحزاب في تحقيق مطالب الشعب بالحياة المدنية الحديثة وتوفير الحد الأدنى من الخدمات.

ولعل ظروف مرحلة احتلال داعش للعراق 10 يونيو 2014 وما ستؤول إليه الأوضاع بعد معركة الموصل ستفرض خيارا جديدا أمام الأحزاب الشيعية يتوقع لها أن تنتقل إلى مرحلة الإعلان المباشر لقيادة البلد، رغم المشكلات الداخلية لتحالف تلك الأحزاب، وبروز قوى أيديولوجية جديدة لها جناحها العسكري المهم الحشد الشعبي ولن تترك الفرص السياسية لغيرها من خارج تلك الأحزاب والمنظمات بتقاسم السلطة، بل سيجري العمل على انصهار بعض سياسيي العرب السنة من الخط الثاني تحت ظل الإطارات الجديدة، ويتم التخلي عن الديكورات السنية إلى حين الانتخابات المقبلة.

وليس دقيقا ما يقال في الإعلام من أن المرحلة المقبلة ستحقق انفراجا للأزمة السياسية، فما تقوله قيادات الأحزاب الحاكمة أن الأزمة هي في ما تسميهم الشركاء الذين لهم رجل بالحكومة ورجل بالمعارضة ويريدون منهم أن يحسموا أمرهم.

ولهذا فإن مشروع التسوية السياسية الذي يقوده رئيس التحالف الشيعي عمار الحكيم هو تعبير عن قيادة الأحزاب الشيعية للدولة والقبول بالأمر الواقع والانصياع للدستور وللعملية السياسية ورفض البعثيين والإرهابيين، ورغم ذلك يلاقي هذا المشروع رفضا من بعض الأحزاب الرئيسية، وهو مشروع خال من أي قواعد للمصالحة الوطنية الحقيقية، بل هو نشاط في العلاقات العامة لن يؤثر في سياسة فرض الأمر الواقع التي تقود إلى الاستبداد الحزبي والدكتاتورية الطائفية، بدلا عن الحوار والقبول بالآخر الوطني غير القائم على الإذعان لعملية سياسية ثبت فشلها الكامل بالعراق، كما أنها سياسة لا تقيم عدلا ولا تبني أوطانا.


الخوارج الأوائل والخوارج الأواخر

2016/12/14

محمد آل الشيخ

هناك علاقة متضادة وبحدة بين النور والظلام، والعلم والجهل. الإنسان المتنور، الذي يُحكّم عقله، ويقرأ، ويمحص، لا يمكن أن يكون تكفيريا، فالتكفير يعني الإقصاء، وادعاء تملك الحقيقة، التي يرى ألا حقيقة أخرى سواها. لذلك تجد أن الخوارج الأوائل اختصوا بخاصيتين: الجهل والتكفير. فالبيئة التي أنتجت الخوارج -آنذاك- كانت الصحاري والقفار والأرياف المعزولة والبعيدة عن مراكز التحضر والمدنية، وبالتالي العلم، حيث ينتشر في تلك الأصقاع الجهل، وضيق الأفق، ويغلب على طباع الفرد الهمجية والتوحش، فيسهل شحنهم وإذكاء روح العنف والشراسة فيهم، ليصبح كل ما يحتاجون إليه مبررا دينيا ليُعملوا السيف في رقاب مخالفيهم، والمبرر الجاهز كان رجم من يختلفون معهم بالردة والتكفير.

من هنا يمكن القول، وبعلمية، تدعمها الشواهد التاريخية، إن حركة الخوارج، كانت بالمعيار العلمي أول حركات (التأسلم السياسي)، التي ثارت على السلطة الحاكمة حينها، وألبسوا تمردهم لباسا دينيا -(لا حكم إلا لله)- تماما كما تفعل جماعة الإخوان المسلمين، والسروريين، وكذلك القاعدة، وداعش.

المسلمون الأوائل استطاعوا مواجهة (الخوارج) بالسيف من جهة والكلمة من جهة أخرى. والسيف يعني بلغتنا (الحل الأمني)، والكلمة كانت (التنوير) من خلال الحوارات والنقاشات، التي حفظ لنا بعضها التاريخ مثل حوار ابن عباس معهم مثلا. ولأنهم كانوا في الغالب جهلة، ويفتقرون للمُنظّر القادر على التقعيد والتأصيل، كان القضاء على جذور حركتهم ونظرياتهم الثورية سهلا يسيرا.

حركات التأسلم السياسي المعاصرة، استفادت من تجارب أسلافهم الأوائل، فانقسموا تكتيكيا إلى جناحين: جناح فكري تنظيري، يتبرأ من العنف، ويشجبه علنا، ويدعوا إلى الحوار بالحسنى، ويمتطي في خروجه الكلمة والقلم. أما الجناح الآخر، وهو الجناح الموازي والمكمل، فينحو إلى الشدة والقسوة والتطرف، ويتلمس كل السبل، بما فيها العنف لتحقيق أهدافهم.

هذان الجناحان، وإن بدوا في المظهريات، واللغة المستخدمة في خطابهم السياسي، مختلفين، إلا أنهم في الغاية النهائية متفقون ومنسجمون تمام الانسجام. وهنا مكمن خطورتهم، واختلافهم عن أسلافهم الخوارج الأوائل، حيث انتهج أولئك السيف وأهملوا الكلمة والقلم، بسبب أنهم جهلة، لا تحسن غالبيتهم العظمى القراءة أو الكتابة، وهم بلا نظريات مدونة، فكان القضاء عليهم أمرأ متيسرا.

أما خوارج زماننا، فقد مارسوا إلى جانب العنف، الدعوة إلى منهجهم بالكلمة والقلم؛ فكان من أهم أعلامهم «أبو الأعلى المودودي» و»حسن البنا» و»سيد قطب» و»محمد سرور زين العابدين» و»القرضاوي»، وعشرات غيرهم ممن عملوا بجهد لا يكل ولا يمل على تثوير الإسلام، وتحويره من كونه عقيدة بين الإنسان وربه، إلى تكريسه كدعوة حزبية سياسية ثورية، تتعامل مع مخالفيها بكل أدوات السياسة والميكافلية.

لذلك يمكن القول إن نجاح المسلمين الأوائل في القضاء على الخوارج حينئذ بالسيف، لا يعني أن بإمكاننا القضاء على الخوارج الأواخر بذات الوسيلة فقط، فقواعد اللعبة اليوم اختلفت عن الماضي، وهذا ما اكتشفناه متأخرين، حينما تمت مواجهتهم إضافة إلى السيف، بالكلمة ومقارعة الحجة بالحجة، فلم يستطيعوا الصمود، وها هو نجم صحوتهم المزعومة يوشك على الأفول غير مأسوف عليه.


إِنَّه غَزْوٌ، وتَآمرٌ, وَإِنْ سِيئَت وجُوه المُسْتَغْرِبِين

2016/12/14

د. حسن بن فهد الهويمل

ما نعيشه في عالمنا الثالثي المتخم بالأزمات، وما نتجرّع مراراته, إن هو إلاّ فعل فاعل مُتَعمِّدٍ, ماكرٍ, متربِّص.

نعم أُمَّتُنا العربية تتحمل جرائر القابلية للاستعمار، والتبعية للغالب، وتنفيذ (أَجِنْدَتهِ) بكل حذافيرها، دون استفادة مما يتكشّف لها من مكائد.

قيل الكثير عن المضمرات السيئة لدول الاستكبار, والاستبداد. وجاء القول من مفكرين غربيين أحرار، أخافتهم العواقب الوخيمة للظلم. وكُشِفَت خرائطُ الطريق المرعبة من متابعين مهرة في اختراق المضمرات. ولكن المتلقي العربي يمر بها، وكأنها لا تعنيه !.

وما أضر بالأمة، وشَلَّ حركتها, وغَيَّب وعيها إلاّ المستغربون من (علمانيين) و(ليبراليين) المتعمدين لتزييف وعيها عن قصد، أو عن غباء معتق, وذلك باستبعاد نظرية (الغزو) و(التآمر)، وتزكية الغرب، والحث على استقبال مدنيته بكل ماهي عليه.

قدر أُمتنا أنّ هذا العشق يتم من طرف واحد. فـ(ليلى) المتيّمين تتمثل في (مَدَنِيَّةِ الغربِ)، لا في حضارته. وفي لهوه, لا في جِدِّه. وفي فَنِّه، لا في معارفه. وفي تبذُّله, لا في عمله. وفي فوضوية أخلاقه, لا في ضوابط تعامله.

وهذا التهافت العقيم لم يَحْمِلْ المعشوق المتعالي على التلطُّف والإفاضة بشيء من مدركاته الفكرية، أو شيء من منجزاته المادية. إنه يتعمّد حبس معارفه, ومكتشفاته, ومهاراته. ويسخو مُفِيضاً بغرائزه، وشهواته، ولهوه دون جِدِّه.

والمُتَنَخْوِبون يُوفِضون إلى نُصُبِه، ويكرِّسون في عالمنا التبعية، والاستهلاكية، وعملقة الأقزام، وتصنيم الأوهام، والغثائية, والنبش في عفن النفايات. على حد:- (يموت الدجاج وعينه على المزابل).

الغرب: حضارة، ومدنية. وقيم: حسية, ومعنوية. وهو متقدم علينا بظاهر الحياة الدنيا, مُسْتغن عنا. ونحن أحوج ما نكون إليه. مضطرون إلى التعامل معه، والتزود من كل مكتشفاته، ومخترعاته، ومعارفه. ومكمنُ الإشكالية الفشلُ في إدارة التعالق.

أُمتنا تتخبط في تعاملاتها. فلا هي اعتزلت, ورضيت بما هي عليه من بدائيات، وسعت لتأهيل نفسها بنفسها. ولا هي استقبلت الآخر بوعي، وندِّية، وحددت ما تريده منه، وأخذت حذرها من مكائده, ولعبه, وامتصاصه لخيرات أرضها، وتحريشه بين الفرقاء من أطيافها. فهو ظالم عندما يأخذ, شحيح عندما يعطي، مُضِلٌّ عندما يشير.

الغرب يراوح بين (الغزو, والتآمر), وسبيل ذلك ثلاثُ تِرسانات :-

ترسانة (الدولار) يشتري بها الضمائر الضعيفة.

وترسانة (البنتاغون) يقمع بها الرؤوس الشامخة.

وترسانة (الإعلام) يُضِلُّ بها من يشاء.

وهذه الأخيرة حُشِدَ لها أَعْلامُ الفكر, وعمالقةُ السياسة, ممن يقلبون للمغفلين الأمور, ويستدرجون السذّج من حيث لا يعلمون.

والغرب الرأسمالي تؤزُّه مصالحه، بحيث لا يقيم وزناً لمشاعر المغلوب, ولا لهمومه، ولا لتطلعاته. {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}:-

(ليس هناك صداقات تدوم, وإنما هناك مصالح تتعارض) أو كما قالت المرأة الحديدية.

ولما كان الإسلام مُتَّسِماً بفكره السياسي العادل, ونظامه الاقتصادي المحقق للإنسان إنسانيته، المتمثلة بحفظ التوازن بين القيم الروحية, والمادية، أصبح في صراع مستميت مع رأسمالية تسحق الجماعة لمصلحة الفرد, وماركسية تسحق الفرد لمصلحة الجماعة.

وغلبة المفضول للفاضل مرجعه إلى زيوف الادعاء, وضعف الإيمان، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}

فكم من متردد, حين يرى الغلبة لعدوه, يظن أنّ الحق مع الغالب {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.

وضْعُ العالم الإسلامي لا يبعث على الاطمئنان، ولا يغري غير المسلمين بالإسلام. والمرجفون يَرُدُّون هذا الوضع إلى الإسلام، لا إلى غثائية المسلمين, ومكر المتغربنين. وتلك مكيدة أطلقها الأعداء, وصدّقها الأغبياء.

والأخطر من (الغزو, والتآمر) الخارجيين (الغزو من الداخل)، فالمستغربون المصنوعون على عين الغرب، يوجفون بألسنتهم، وأقلامهم، لحمل الكافة على ما هم عليه من تهافت مقيت على ضريع الغرب، الذي لا يسمن، ولا يغني من جوع.

إنّ على أُمتنا أن تعيد قراءتها للمشهد المليء بالشواهد، وأن تملك الشجاعة، بحيث تحطم المسلّمات المزيفة على كل المستويات. فنقد الذات ومساءلتها خطوة أولى نحو تدارك الأمر.

نحن أحوج ما نكون إلى وعي الواقع، ومحاسبة الذات، وتحمُّل المسؤولية، والاعتراف بالتقصير فمآلات الأمة الموجعة مرتبطة بتصورات خاطئة, وإسقاطات هروبية..

نحن وحدنا المسؤولون عن هذه المصائر، والتاريخ لن يرحمنا، ولن يكون من المعذرين.

إنّ أمامنا أكثر من فرصة، ولا مجال للتيئيس والإحباط.

فلنبادر الإصلاح لنأمن الإهلاك:-

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.


بريطانيا تعود إلى الخليج.. شريكاً

2016/12/14

هاني سالم مسهور

تتغير التوازنات الدولية بشكل واسع، وتعيد الدول المؤثرة إعادة تموضعها، في ظل التحولات التي عرفها العالم بشكل حاد خلال هذا العام 2016م تحديداً، تمدد الأسطول الروسي في البحر المتوسط، وفوز الحزب الجمهوري بالانتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يضاف إلى ذلك «اتفاق النفط»، وغير ذلك من عوامل ترسم ملامح الشكل العالمي القادم.

لم تخف تيريزا ماي أنّ حضورها يهدف إلى تحضير بلادها لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبخروجها من الاتحاد الأوروبي، فقدت لندن امتيازات لطالما تمتعت بها في السوق الأوروبية المشتركة، وتمثل منطقة الخليج العربي محوراً اقتصادياً هاماً، إضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية المتزايدة نتيجة تصاعد الإرهاب في الشرق الأوسط، في المقابل تعتبر دول الخليج أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لبريطانيا خارج أوروبا، وبحسب تقرير لقناة «سي إن بي سي» تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 200 مليار دولار، حصة العقارات منها 45 ملياراً، ما يمثل 40% من الاستثمارات الخليجية في العقارات بأوروبا. وتقول الحكومة البريطانية إنّ هناك فرصاً تقدّر قيمتها بـ30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية، للاستثمار في 15 مجالاً مختلفاً في الخليج، خلال السنوات الخمس المقبلة.

العلاقة البريطانية الخليجية ليست طارئة بل هي عميقة ومتجذرة، والطارئ في هذه المرحلة هو التوجه البريطاني ناحية تعزيز الوجود العسكري، فالأرقام الأولية تتحدث عن (20 مليار دولار) هي حجم استثمارات متوقعة في المجال العسكري لتعزيز الأمن في دول الخليج، هذه المسألة هي الجزء الأهم، فلقد قالت رئيسة وزراء بريطانيا ماي في كلمتها أمام قمة البحرين «إنّ معلومات استخباراتية زوّدتها الأجهزة الأمنية السعودية لنظيرتها البريطانية، ساعدت في إنقاذ مئات الأرواح في المملكة المتحدة»، هذه الجزئية التي تؤكد مدى القدرة الاستخباراتية السعودية في مكافحة الإرهاب، تعطي المدى الموضوعي للعلاقة الاستراتيجية التي تقوم عليها المصالح بين بريطانيا والسعودية خاصة وبقية دول الخليج عامة.

بريطانيا بعد التطورات الأخيرة وتوجهها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، تبحث عن تشكيل نواة لاتحاد يقوم على المصالح المتبادلة، وتنسيقها مع دول بحجم الدول الخليجية سيكون تعويضاً لها، فدول الخليج سوق كبيرة، لها قدرة شرائية عالية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، كذلك هي دول مستقرة أمنياً وسياسياً، وفي الجهة الأخرى فإنّ بريطانيا الشريك الأهم في خارطة الرباعية لحل الأزمة السياسية في اليمن، إضافة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، فالموضوعية والعقلانية تجاه الملفات السياسية تُشكل هي الأخرى نقاط شراكة بين الطرفين الخليجي والبريطاني، وهذه عوامل تعزز من أنّ بريطانيا التي كانت واضحة تجاه التهديدات الإيرانية، وما تمثله من خطر على العالم بتدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية، ووقوفها وراء الاضطرابات في المنطقة، تأتي لتأكيد ملامح المرحلة القادمة والتي لن تجد فيها إيران تلك المساحة التي انتهزتها من خلال «الاتفاق النووي»، وحصلت منه على مليارات الدولارات التي أثرت سلبياً في الشرق الأوسط، مما سيضع الجميع أمام تعامل صارم تجاه السلوك الإيراني بمشاركة الولايات المتحدة، ورؤية الرئيس الجديد ترامب للعلاقة مع تصدير إيران للفوضى وعدم التزامها بضوابط «الاتفاق النووي».


الفتيات العاريات

2016/12/14

أحمد المغلوث

في زمن التخاذل الملاحظ والمعاش من قِبل الدول الكبرى تجاه الأوضاع المأساوية في سوريا؛ باعتبارها صاحبة الأمر والنهي في استصدار وتنفيذ أي قرار للأمم المتحدة إزاء مأساة أهلنا في حلب، وغيرها من المدن التي تعاني ويلات الحرب، تتردد بين فترة وأخرى حجج واهية، مفادها أن السبب في ذلك يعود لرغبة روسيا في استمرار نظام الأسد حليفه في الحكم، رغم مقاومة المعرضة وشعب سوريا، الذي اضطرت ملايين منه إلى الهرب للخارج مهاجرين ولاجئين هربًا من الحرب التي ما زالت مستمرة منذ سنوات؟! وفي ظل هذه الحجة وغيرها تستمر مأساة أهل سوريا، وتتزايد أعداد القتلى والضحايا في المدن التي تدكها يوميًّا المقاتلات الروسية وطائرات النظام عبر براميل الموت. وتنقل لنا وعلى مدار السعة مختلف وسائل ووسائط الإعلام صور بشعة ووحشية عن الموتى والجرحى والبيوت المدمرة على رؤوس المدنيين العزل.. وتتحول مدن سوريا إلى أنقاض وأشباح، تعاني المجاعة والموت.. ولا معين إلا الله ثم بعض المساعدات التي تأتي ولا تأتي..؟!

والناس في العالم يتساءلون: لماذا تستمر هذه المأساة؟ ولصالح من يموت المئات يوميًّا في حلب وغيرها؟.. ويا للعجب، كيف تسمح الدول الكبرى بهذه المهزلة الدولية تحت نظر الجميع؟ أين المواثيق التي وقَّعت عليها دول العالم؟ لماذا الصمت؟ لماذا يستمر النظام السوري في طغيانه وغيه، ويمارس التضحية بشعبه الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله؟.. من أجل أن يتربع على كرسي الحكم، ويمارس هوايته تحت نظر العالم وعلى صدى ضحكات حلفائه روسيا وإيران؟! والسؤال الحائر الذي يبحث عن إجابة واضحة وصريحة: ما هو السر في هذه الاستمرارية لهذه المأساة الموجعة والمؤلمة لكل من يتابعها بحزن وأسف شديدين؟ وهل صحيح أن السر الحقيقي هو أن المصالح تتطلب استخدام القوة في سوريا وغيرها من دول المنطقة للمزيد من التدمير والتفرقة ونشر الطائفية.. إذا كان هذا صحيحًا أليس أحرى بنا جميعًا في هذا العالم الواسع أن نصرخ بقوة في وجه هذه الدول، وأن نقول لها «اخجلي على نفسك.. لقد أصبحتِ عارية مثل فتيات (الاستربتيز)، وكشفتِ عن حقيقتك بصورة ممجوجة..؟!». وكم هو مؤسف أن نعيش في عالم يسوده الكيل بمكيالين، وأن تتحدث الدول الكبرى عن الإنسانية وأهمية الأخذ بها في تعامل الدول مع كل إنسان.. لكنها في الواقع تمارس أبشع الطرق في القضاء على الإنسان في كل مكان من خلال تشجيع استمرارية الحروب؛ لتزيد من استثماراتها في تصنيع أسلحة الموت، ومن ثم بيعها بمليارات الدولارات؛ لتزداد هي غنى فاحشًا، ولتتراجع الدول الأخرى اقتصاديًّا وهي تعيش قلقًا مستمرًّا مما تشاهده في محيطها من حروب مقلقة وشبه مستمرة.. منذ عقود في المنطقة؟!


اليوم العالمي لحقوق الإنسان

2016/12/14

سطام المقرن

احتفل المجتمع الدولي في الأيام القليلة الماضية بيوم حقوق الإنسان، وهذا اليوم هو احتفال بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، حيث صاغ وثيقة الإعلان ممثلون ذوو خلفيات قانونية وثقافية مختلفة من جميع أنحاء العالم، وهي تحدد حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا، والتي تتمثل في مبدأ أساسي هو “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء، ولكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه..”.
وكان شعار يوم حقوق الإنسان في هذا العام 2016، دعوة الجميع إلى “الدفاع عن حقوق إنسان ما!”، إذ إن مسؤولية احترام حقوق الإنسان تقع على عاتق جميع الناس. والدفاع “عن حقوق أحد اللاجئين أو المهاجرين، أو أحد الأشخاص ذوي الإعاقة، أو امرأة، أو أحد الأشخاص من السكان الأصليين، أو أحد الأطفال، أو أحد الأشخاص من أصل إفريقي، أو أي شخص آخر يعاني من خطر التمييز أو العنف”.
ورغم أهمية اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك الوثيقة الدولية التي كانت نتيجة لفظائع حربين عالميتين متتاليتين أخذتا في طريقهما ملايين الأبرياء، إلا أنه تم استقبال هذا اليوم في العالم العربي والإسلامي بالتهكم واليأس والتشاؤم بسبب انتشار الحروب والقتل في بعض البلدان العربية، واستغاثة مئات الآلاف من المهجرين والمهاجرين والنازحين الذين تحدوا الموت في المحيطات جراء موجات النزوح والقتل بنهج عنصري وطائفي وتسلطي في بعض الدول، كل ذلك أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي!
وليس هذا وحسب، بل وصل الأمر من شدة اليأس إلى إعادة النظر في حق الإنسان في الحياة من الأساس، بغض النظر عن الكرامة والمساواة والعدالة وحق التعليم والعلاج والسكن… إلخ، فقد أصبح الإنسان يذبح مثل بهيمة الأنعام، ويعذب ويحرق ويجلد وكأنه جماد بلا روح، حتى أصبحت حياة الحيوانات في الغابة أكثر عدلا من حياة الإنسان نفسه! والسؤال المطروح هنا: لماذا تكون حياة الإنسان رخيصة إلى هذا الحد وبلا حقوق في بعض المجتمعات العربية والإسلامية؟
ربما لا تقع اللائمة على المجتمع الدولي وحده بقدر ما تقع المسؤولية أكثر على المجتمعات العربية والإسلامية نفسها، فالفرد المسلم يقرأ في القرآن الكريم قول الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، فرغم أن هذه التعبيرات القرآنية موجهة إلى الإنسان بما هو إنسان، ولا تتحدث عنه بقيد الدين أو المذهب والطائفة والانتماء، فتكريم الإنسان بوصفه إنسانا يرتبط بالكرامة والحرمة الناشئة من كون الإنسان شخصا، فيشترك في هذه الصفة الإنسان المؤمن وغير المؤمن على حد سواء، إلا أن هذه النصوص الدينية نفسها توجد لها تفاسير أخرى لا تنسجم مع القول بالكرامة والحرمة الذاتية لجميع أفراد البشر على السواء.
وعلى هذا الأساس، نجد أن أكثر الحروب والقتل في بعض البلدان العربية والإسلامية تقوم على فرضية (المؤمن والكافر)، أي أن قيمة الإنسان المؤمن أهم من قيمة الإنسان غير المؤمن، وبالتالي ليس له حقوق، ولهذا تقوم المنظمات الإرهابية بتقسيم المجتمعات إلى مؤمنة وكافرة، فلا حرمة أو كرامة لغير المؤمنين، وكذلك بالنسبة للمذهب أو الطائفة، حتى وإن لم يكفروا بعضهم بعضا يظل الآخر من الفئة الباغية التي يجب قتالها، ناهيك عن الانتحار والموت في سبيل الله، ولهذه الأسباب كانت حياة الإنسان رخيصة وبلا حرمة أو كرامة.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك إشكالية أخرى لا تقل خطورة عن ثنائية “المؤمن والكافر” وهي مسألة “الحاكمية لله تعالى”، فحقوق الإنسان مبنية على أساس أن الإنسان شخص حر ومسؤول في مقابل حقوق الآخرين، وبالتالي يكون للإنسان حق في تقرير مصيره وتدبير أموره في واقع الحياة، وهذا يتنافى ويتعارض مع المسألة المذكورة أعلاه.
هناك نظرية سائدة لدى بعض المجتمعات العربية والإسلامية، تقرر أن المعاني والمفاهيم الواردة في لائحة حقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها في منظمة الأمم المتحدة هي حصيلة “الثقافة العلمانية” في الغرب، وأن قبولها من قبل المسلمين يؤدي إلى طمس ومسخ الثقافة الإسلامية، ومن هذا المنطلق تهافت بعض رجال الدين على نقد هذه اللائحة وإبراز نقاط ضعفها، بحجة أنها صادرة بوحي من الأهواء والشهوات، وأن الفكر البشري عاجز أمام الشريعة الإسلامية التي تكفلت بكامل حقوق الإنسان على جميع المستويات والصعد.
ولهذا لا يتم التعامل مع اللائحة الدولية لحقوق الإنسان بشيء من الجدية والمسؤولية، وإنما بعدم القبول والسخرية منها، خاصة أن البعض حاول تشويه هذه اللائحة بتسليط الضوء على البنود التي تتنافى مع عادات وتقاليد الشعوب العربية والإسلامية حتى لا يتم الالتفات إلى الحقوق الأساسية للإنسان، فما زالت بعض المجتمعات لا تستسيغ حرية الاعتقاد والفكر أو حتى المساواة بين البشرية جمعاء، لذا نجد أن البعض لا يتصور أن يكون لشخص الإنسان حق النقد والتفكر أو استقلال شخصيته وتقرير مصيره وحرية التصرف في شؤونه، لذلك تظل لائحة حقوق الإنسان العالمية مجرّد شعارات أو مخطط تغريبي لنشر الرذيلة والتفسخ الأخلاقي في المجتمع، أو أداة سياسية للغرب للسيطرة على العالم العربي والإسلامي، فمفهوم الإنسانية ما زال مفهوما غامضا لا مكان له في ساحات الحروب والقتال.. فكيف نقنع تلك المجتمعات بذلك المفهوم ومن ثم القبول باللائحة العالمية لحقوق الإنسان؟


مؤتمر باريس للسلام وتجريب المجرب

2016/12/14

مأمون كيوان

كانت فرنسا إحدى الدول الكبرى التي لعبت دوراً مهما في معالجة قضايا الشرق الأوسط وعلى نحو خاص، منها القضية الفلسطينية. فقد كانت لها مواقف من المحطات التالية في مسار الصراع: قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، وتقديم باريس الدعم العسكري اللامحدود لإسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، والذي شمل السلاح النووي والمساعدة في بناء مفاعل ديمونا.
وكان الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول قد نعت إسرائيل بالمعتدية، إثر حرب الخامس من يونيو 1967، وقام بفرض حظر عام على إرسال الأسلحة الفرنسية إلى المتحاربين. وعمل على إيجاد حلول مناسبة للقضية الفلسطينية. ولتطبيق قرار 242 الشهير بصيغته الفرنسية التي تقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة. فقامت فرنسا بطرح مشروع لحل المشكلة، كان من أهم ما جاء فيه:
1. تنفيذ عاجل من قبل إسرائيل للانسحاب من جميع الأراضي المحتلة في حرب يونيو 1967، وإعلان عربي بإنهاء الحرب والاعتراف بإسرائيل.
2. تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 على عدة مراحل.
3. تبني مبادئ عامة بالنسبة للمشكلات الأساسية في الصراع العربي الإسرائيلي كمصير اللاجئين العرب في حرب 1948، ووضع الفلسطينيين والقدس.
وتقدمت فرنسا بمبادرة مشتركة مع مصر إلى مجلس الأمن في الثاني من شهر يوليو 1982، تدعو إلى تلبية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، واعتبار منظمة التحرير طرفاً في المفاوضات، بالإضافة إلى الدعوة إلى الاعتراف المتبادل والمتزامن بين الطرفين المعنيين، إسرائيل ومنظمة التحرير.
وستستضيف العاصمة الفرنسية باريس في الحادي والعشرين من الشهر الجاري أعمال مؤتمر دولي للسلام دُعيت لحضوره 70 دولة، من قبل فرنسا التي كانت قد بدأت تحركات لعقد مؤتمر دولي للسلام، منذ أبريل 2014 عند توقف الولايات المتحدة الأميركية عن رعاية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وطرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في نهاية يناير 2016، قبل استقالته من منصبه مبادرة للسلام تركز على أن حل الدولتين هو الخيار العملي الوحيد لإنهاء النزاع، وأن أي جهة لم تعرض حلاً أفضل يكون مقبولاً لإسرائيل والفلسطينيين، ويستجيب لمطامحهما ويربط بين العدل والمتطلبات الأمنية. ومع ذلك يشير الفرنسيون في الوثيقة إلى أن هذا الحل يواجه خطر أن يغدو مستحيلاً جراء استمرار البناء في المستوطنات، بما فيها مناطق حساسة، وجراء تحول الحوار إلى عدائي بشكل متزايد.
وجاء في نص المقترح الفرنسي المقدم لمؤتمر باريس الذي عقد في يوليو الماضي التالي: “يدعو المجتمعون الأطراف المعنية إلى إظهار سريع، عبر الوسائل السياسية والعملية، التزامهم الجدي بحل الدولتين، من خلال وقف النشاطات الاستيطانية، ووقف العنف والتحريض عليه. وخلق المناخ الذي يسمح لمفاوضات ذات مصداقية أن تحصل، بحيث يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وحل جميع قضايا الوضع النهائي على أساس قرارات مجلس الأمن 242 و338، و1397، و1515، و1850، مبادئ مؤتمر مدريد، ومبادرة السلام العربية، وخطة خارطة الطريق”.
لكن ثمة مؤشرات تفيد بأن المبادرة الفرنسية لا تمتلك فرصة أفضل للنجاح من المبادرات والجهود السابقة، بل إن حظها أقل من سابقاتها، بحكم أن فرنسا وأوروبا لا تمتلكان القدرة الكافية للضغط على إسرائيل حتى لو توفرت لديها الإرادة لفعل ذلك، ولأن الولايات المتحدة الأميركية غير متحمسة للمبادرة الفرنسية، وكل همها هو تفريغها من مضمونها والاحتفاظ بزمام المبادرة في يدها، كما أن المبادرة انطلقت من سقف منخفض هو أقل بكثير من الشرعية الدولية.
ومما لا شك فيه وجود أهمية كبيرة لمواقف المجتمع الدولي، وعلى نحو خاص مواقف ومبادرات القوى الكبرى الرامية إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، لكن السبب الرئيسي لفشل تلك المبادرات -وربما منها المبادرة الفرنسية- يتمثل في أنها تتجاهل جذور ومصادر الصراع، فضلاً عن أن دور تلك الدول كان دوراً رئيسيا في تشكل وتعقيد القضية الفلسطينية في كافة مراحل الصراع في الشرق الأوسط.


إيران خطر إرهابي… هل ينقصكم الدليل

2016/12/14
عدنان كامل صلاح
ليس صحيحاً أن الخليجيين يحبذون أن يقوم الرئيس القادم لأميركا بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع إيران حول نشاطها النووي ، كما أنه ليس صحيحاً ما يحاول الإعلام في بريطانيا وأميركا أن يروج له من أن الاتفاقية المعنية تجعل إيران تتخلى عن برنامجها النووي .. فالاتفاقية ليست سوى شهادة معيبة سعى إليها الرئيس الأميركي أوباما للقول بأنه نجح في جهوده لإحلال السلام بالشرق الأوسط بعد أن عجز عن تحقيق أي تقدم نحو السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي تلقَّى عليها جائزة نوبل للسلام بداية عهده .
الاتفاقية الأميركية الإيرانية ، والتي باركتها الدول الكبرى ثم الأمم المتحدة ، تتيح لإيران الحصول على عشرات البلايين من الدولارات التي تتوقع الدول المباركة للاتفاقية أن يصرفها الإيرانيون على مشاريع تستفيد هذه الدول منها عبر قيامهم بتنفيذها . بينما تتوقف إيران عن تطوير أي برنامج نووي لمدة عشر سنوات فقط .. وهذه ليست اتفاقية لتخلي إيران عن مشروعها النووي .
ما حدث فعلاً هو أن النظام الإيراني اعتبر الاتفاقية تأشيرة سماح له للانطلاق تخريباً في أكثر من مكان في العالم وتمدداً عسكرياً وسياسياً وإرهابياً داخل منطقة الشرق الأوسط ، وأعلن وزير الاستخبارات الإيراني السابق ، على مصلحي ، أن « الثورة لا تعرف الحدود « وهو يشير الى الثورة الإيرانية الشيعية التي نص دستور إيران على تصديرها ، وتبجح مستشار الرئيس لشئون الأقليات ، علي يونسي ، بأن إيران عادت إمبراطورية وأن عاصمتها بغداد التي يسيطر ملالي طهران على مقدراتها . وأعلن رئيس هيئة الأركان الإيرانية ، اللواء محمد باقري ، نهاية الشهر الماضي ، نوفمبر ، أن بلاده تسعى لإقامة قواعد في مناطق بعيدة ، وأنها تخطط لإنشاء قواعد في اليمن وسوريا …
أوباما خدع العالم بالقول إنه يسعى للحد من مخاطر النظام الإيراني عبر هذه الاتفاقية بينما لم ترغب روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا الموقعة على الإتفاقية التي صاغها محمد جواد ظريف ، وزير الخارجية الإيراني ، وجون كيري ، وزير الخارجية الأميركي ، أن تترك ما تصورت أنه سيكون مكاسب تجارية لأميركا لوحدها ، وتمت مشاركة الجميع في اتفاقية تكافئ إيران على مجرد توقيعها ولا تحقق لمنطقة الشرق الأوسط السلام ، بل شجعت الإيرانيين على مواصلة توسعهم في العراق وسوريا واليمن . ودفعت محللاً سياسياً إيرانياً ، أمير محبيان ، للقول لصحيفة ( الفايننشال تايمز ) البريطانية في مقال مطول لها عن القيادة الإيرانية نشرته أواخر شهر أكتوبر الماضي : « الذين يضعون الخطط الإستراتيجية (الإيرانيين) يفكرون كيف يمكن لإيران أن تكون لاعباً قوياً خلال الخمسين سنة القادمة التي سيكون خلالها السكان المسلمون في أوربا أكثر نشاطاً « .
المطلوب إعادة صياغة الاتفاقية النووية مع إيران ، وليس إلغاءها وجعل المنطقة منزوعة السلاح النووي بشكل كامل وليس لبضع سنوات ، وأن يتم إلزام نظام طهران بالتخلي عن تصدير الإرهاب بحرسه الثوري وعصاباته الأجيرة الى خارج حدوده ، والامتناع عن تطوير الصواريخ والأسلحة التي تدفع الآن الى سباق تسلح ليس في منطقة الخليج فحسب بل وباقي المنطقة ، بما فيها تركيا ومصر وشمال أفريقيا .. وبدون ذلك فإن العالم سيشهد صراعاً دموياً لن يسلم بقية العالم منه ، وتطور طهران لتكون عاصمة شر أسوأ من كوريا الشمالية وأكثر خطراً منها.