ترامب والعراب الروسي

2016/12/12

يونس السيد

بعد أكثر من شهر على المفاجأة المدوية التي أحدثها فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، على الصعيد الداخلي والعالم الخارجي، لم تهدأ الضجة والتداعيات التي جلبها هذا الفوز، فمن التظاهرات الاحتجاجية والمطالبة بإعادة فرز الأصوات في بعض الولايات، إلى الجدل الدائر حول التدخل الروسي في الانتخابات لصالح ما يفترض أنه الحليف المنتظر، على نحو يجعل من موسكو العرَّاب الحقيقي لوصول ترامب إلى البيت الأبيض.
جدلية ترامب والبيت الأبيض، تجاوزت، في الواقع حدود الولايات المتحدة إلى مراجعات دولية حول العلاقة المستقبلية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، في ظل مواقف وسياسات ترامب وتصريحاته أثناء حملته الانتخابية. لكن الأكثر إثارة للجدل، وربما الاستغراب، هو عودة الحديث عن دور روسي خفي في دفع ترامب إلى كرسي الرئاسة، فما كان يتردد في السابق عن إعجاب ترامب بزعيم الكرملين فلاديمير بوتين، وإمكانية تطوير العلاقات معه، والاتفاق حول العديد من القضايا الدولية، ظل يؤشر إلى متغيرات يمكن أن يحملها ترامب معه في حال فوزه بالسباق. وباستثناء الحديث عن قرصنة روسية لمواقع الحزب الديمقراطي وبريد هيلاري كلينتون الإلكتروني، والتحقيقات المتعلقة بإهمال المرشحة الديمقراطية، وتبرئتها في النهاية، وهو بالمناسبة أمر اعتبرته هيلاري سبباً أساسياً في هزيمتها، لم يكن هناك حديث عن أي دور روسي واضح في التأثير في سير العملية الانتخابية.
غير أن الجدل عاد بعدما أصدرت الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه»، تقييماً سرياً أرسلته إلى بعض أعضاء الكونغرس، يكشف عن تدخل روسي لصالح ترامب ومساعدته على الفوز، وفق ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست». وتوضح الصحيفة أن أشخاصاً مرتبطين بموسكو قدموا إلى موقع «ويكيليكس» رسائل إلكترونية تمت قرصنتها من حسابات عدة للديمقراطيين وهيلاري كلينتون، ساهم نشرها، وفق قناعة أعضاء في مجلس الشيوخ، في ترجيح كفة مرشح على آخر، ما دفع الرئيس باراك أوباما إلى الأمر بإجراء تقييم كامل لعمليات القرصنة المعلوماتية التي جرت خلال الحملة الانتخابية. لكن فريق ترامب لم يصمت، إذ سارع إلى رفض نتائج التقييم، مذكراً بأن محللي ال«سي آي إيه» الذين توصلوا إلى ذلك، هم أنفسهم الذين كانوا يقولون إن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل.
ليس معروفاً، بالطبع، ما هي الأبعاد الحقيقية لإثارة هذا الموضوع من جديد، على الرغم من التساؤلات الكثيرة التي أثيرت حول طبيعة التدخل الروسي، لكن، بالمحصلة، يرى المراقبون، أن تقييم ال «سي آي إيه» لا يمتلك أي إثباتات أو أدلة على وجود التدخل الروسي.

«داعش» ويمين أوروبا

2016/12/12

د. حسن مدن

أوروبا تنحو إلى اليمين المتطرف أكثر فأكثر، ولا يتعلق الأمر بتراجع مكانة ودور الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وبالتالي تقهقر نتائجها في الانتخابات النيابية والبلدية التي تجري هناك، وإنما أيضاً بتراجع وتقهقر ما يعرف باليمين التقليدي، الذي كان هو المنافس القوي لليسار، فإذا به يخسر موقعه لا لصالح هذا اليسار، وإنما لصالح اليمين المتطرف الذي تصعد حظوظه الانتخابية سنة وراء سنة.
والمؤكد أن فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة أعطى وسيعطي دفعات قوية لهذا اليمين المتطرف، من مظاهرها حالة البهجة التي عمت أوساطه في البلدان الأوروبية بعد الإعلان عن فوز ترامب.
ومع أن اليمين المتطرف خسر معركة الانتخابات الأخيرة في النمسا، أمام اتحاد القوى المناهضة له، لكن يظل الحزب الممثل له متكرَّساً كحزب أول يستعد لكسب المبارزة القادمة.
وفي ألمانيا وجدت المستشارة أنجيلا ميركل نفسها محمولة، تحت ضغط حملة التهويل من خطر الأجانب التي يشنها اليمين الشعبوي، إلى إعلان التراجع عن سياساتها في استيعاب اللاجئين، خوفاً على حظوظها في الانتخابات القادمة، لأنها أدركت أن هذه السياسات قد تكلفها موقعها.
شيء مشابه نجده في فرنسا، لا لأن حظوظ مرشحة اليمين العنصري مارين لوبن تتقدم فقط، وإنما لأن اليمين التقليدي جنح إلى اختيار ممثل الجناح الأكثر يمينية فيه، فرانسوا فيون، ليكون مرشحه في الانتخابات القادمة، التي تنحى الرئيس «الاشتراكي» هولاند عن خوضها، مفسحاً المجال أمام رئيس وزرائه المستقيل، مانويل فالس، الذي يعد، هو الآخر، على يمين هولاند، ليكون مرشح الاشتراكيين في الانتخابات المقبلة، ببرنامج اقتصادي – اجتماعي خالٍ من أي نفحة اشتراكية.
في الإيجاز نقول: إن اليمين المتطرف يعزز مواقعه، واليمين التقليدي هو الآخر يزداد يمينية، وحتى اليسار يختار من الأشخاص ومن البرامج ما يتماهى مع المزاج اليميني العام المتزايد هناك.
أسباب ذلك عديدة، ولكن أتت العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم «داعش» في غير بلد أوروبي، فرنسا وهولندا كمثالين، لتشعل أكثر فأكثر الكراهية للأجانب، وخاصة العرب والمسلمين، وتوفر دعاية مجانية لليمين العنصري بكافة تجلياته استثمرها على خير وجه في تعزيز فرصه الانتخابية، وتقوية نفوذه إجمالاً، مستفيداً من حال الاستياء العام الذي خلقته وتخلقه تلك العمليات.
قبل أيام اعترف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما بمسؤولية بلاده عن «خلق» تنظيم داعش بسبب ما ارتكبته من أخطاء في العراق بعد احتلاله، وليست أوروبا بريئة من تلك المسؤولية، هي التي ناصرت الحرب على العراق واحتلاله.
في صورة من الصور يمكن القول إن أوروبا تدفع اليوم بعض ثمن حماقات سياساتها تجاه منطقتنا.


الغضب وثقوب القلب

2016/12/12

شيماء المرزوقي

لا يوجد مرض لا علاج له، ولا توجد معضلة من دون حل، فالله أنزل الداء والدواء، لكننا نحتاج للحكمة والعلم لبلوغ درجة المعرفة بكيفية علاج الداء، والتعامل مع المشكلات.
تبادرت لذهني هذه الكلمات عندما قرأت عن أناس يندمون ويدركون أنهم أخطأوا في حق الآخرين، وهم في ساعة الغضب، يبررون ذلك بأنهم مرضى أو تعودوا على هذا السلوك، ولا فكاك منه، أو لا علاج له، ويطلبون السماح، وأن يتم التعايش مع هذا السلوك. وبطبيعة الحال، تبريرهم خاطئ، ولا ينم عن أي رغبة لحل مشكلتهم، ولا عن هَم وأرق لإيجاد علاج لها، فالغضب في حدود المعقول هو سلوك بشري، وقلما تجد إنساناً لا يغضب، لكن إذا بات سلوكاً وممارسة دائمة في كل معضلة صغرت أو كبرت، وفي كل خلاف مهما كان نوعه وحجمه، بل إذا بات الغضب هو الحالة المهيمنة على حياتنا اليومية، عندها يصبح مرضاً لابد من علاجه، والتوقف عن إيجاد المبررات، لأن الأسوياء والآخرين من الناس لن يتحملوا غضبك وتطاولك، وسيبتعدون عنك. حتى أقرب الناس إليك قد يتحملك لبعض الوقت، ولكنه سيعجز في نهاية المطاف وينهار، ولن يكون أمامه سوى تركك تواجه صراخك وغضبك وحدك.
توجد قصة عن أب حكيم لاحظ أن أحد أبنائه سريع الغضب، ودوماً يخطئ في الناس ثم يعتذر بعد أن تهدأ ثورة الغضب لديه، فقرر أن يعلمه درساً عمّا يتركه الغضب في قلوب الآخرين، حيث أمر ابنه الغاضب دوماً أن يدق مسماراً في لوح خشبي كلما شعر بالغضب. لم يكن أمام الابن مفر من تنفيذ رغبة أبيه، في اليوم الأول، طرق على اللوح الخشبي عشرات المسامير، وفي اليوم التالي انخفض العدد قليلاً، وهكذا مع كل يوم كان عدد المسامير التي يطرقها على اللوح يقل، حتى جاءت أيام لم يطرق فيها أي مسمار على اللوح الخشبي، فتوجه نحو أبيه يبلغه بأنه مضت أيام لم يغضب فيها، فقال له أبوه: حسناً اذهب وقم بإخراج جميع المسامير التي طرقتها على اللوح الخشبي. استغرب الابن مرة أخرى من أبيه، ولم يكن أمامه سوى تنفيذ ما أمره به. وبينما هو يقوم بإخراج المسامير، حضر أبوه لمشاهدته، وبعد أن انتهى، قال له الأب: انظر للوح الخشبي، هل هو مثلما كان عليه قبل أن تطرق المسامير؟ رد الابن: كلا، إنه ممتلئ بالثقوب، فقال الأب: هكذا هي قلوب وأرواح الناس، الذين تجرحهم بسبب كلماتك عندما تغضب، وبسبب رفع صوتك وصراخك عليهم، مهما اعتذرت تبقى في قلوبهم مثل هذه الثقوب.
لنعالج حالة الغضب، ونكن أقوى ونسيطر على أنفسنا، من أجل ألّا نفقد أحبتنا. إنها نصيحة من القلب.


إلى الزبل والطين

2016/12/12

يوسف أبولوز

يتخبط الإرهاب في مصر وفي العالم كله، ويوماً بعد يوم تتكشف غوغائية صناع العنف وثقافة الكراهية، وأبعد من الغوغائية: التوحش، والجهل، واللاإنسانية على يد عصابات خرجت من الكهوف، وتعشش في أدمغتها غربان الموت. وتظل مصر أقوى، وأرقى، وأجمل، وأكثر تماسكاً سياسياً واجتماعياً ودينياً ضمن نسيج ثقافي نفسي من الصعب اختراقه أو تخريبه.
الطبيعة النفسية للمجتمع المصري طبيعة دينية متسامحة، والمسلم والمسيحي مصريان أولاً وثانياً وإلى الأبد ليس في أم الدنيا فقط، بل أم المحبة والطيبة والروح الإنسانية العالية.
عقب العمل الإرهابي الجبان الذي راح ضحيته أبرياء مدنيون متعبدون في كنيسة العباسية أمس قال رجل دين مسيحي معلقاً على الحادث بكلمات قليلة، ولكنها عميقة الدلالات والمعنى والفكر التسامحي..قال.. «كلما زادت مثل هذه الأحداث فسوف تزداد محبتنا لإخوتنا المسلمين ولمصر». وفي المشهد نفسه، قال رجل دين مسلم: »يجب استئصال الإرهاب وقطع يد كل خائن وإرهابي.. الحادث الذي يقع في مسجد أو في كنيسة يمتد إلى قلب كل مصر، ولا فرق بين مسلم ومسيحي«
هذا هو معنى مصر، وهذه هي حقيقة شعبها وتراثها وهي الحقيقة العربية المصرية الدينية والأخلاقية والثقافية التي لا يمكن تغيير ثوابتها وأصولها لمجرد أن إرهابياً خائناً مخدر الضمير، وميت الروح قد أوغل في القتل والجريمة.
حادثة كاتدرائية العباسية أثارت الغضب عند كل من يفهم الدين على أنه محبة وتسامح ومساواة ورفق وإنسانية، وأثارت الغضب عند كل من يحب الحياة وثقافة الحياة، وزادت من قوة الشعب المصري في مواجهة الخيانات والثأريات والكراهية التي تحول الكائن البشري إلى مريض يتوحش عندما يشعر بدنوّ أجله.
من أشكال هذا التوحش الذي يؤشر إلى النهاية الحتمية للانتحاري والإرهابي والثأري أن يذهب إلى مسجد أو كنيسة كلاهما في رعاية الله، وهو في ضيافة الشيطان الرجيم، ثم يقتل، ويغتسل جسد القاتل النجس بالدم.
من أشكال هذا التوحش ونهاياته القريبة في آن أن تقتل لأنك مكلف بالقتل مثل الآلة الحجرية أو الحديدية. وتقتل من؟؟ عليك أن تقتل أيها المكلف والمرتزق والخائن أبناء وطنك من الأطفال أولاً، إلى الكهول والناس البسطاء في كل درجات يومهم الإنساني سواء كانوا في دار عبادة أو دار عمل، أو دار حياة لا فرق. بين أشكال هذا التوحش ونهاياته على يد صانعيه.. أن لا تفكر في بلادك، وأهل بلادك، ومسقط رأسك، والجامعة التي تعلمت فيها، والزوجة التي أحببتها، والطفل الذي أنجبته، والوالدة التي دعت لك بالخير في صلاتها وفي حجها وفي ممشاها ونومها، وتذهب أنت، وقد اشتد عودك، وكبرت، فتقتل ابن بلدك.
من أشكال هذا التوحش ودماره ذات يوم قريب أن تقتل، وتستمرئ القتل، وتلعب به، وتصنع منه دمية حمراء ملطخة بالدم.
قتلة ملائكة كاتدرائية العباسية في مصر البساط الأبرياء هم أول تقريب زمني لنهاية الوحش العشوائي المجرم الخارج من الكهف، وموته، ودفنه في الحضيض والزبل والطين.


قوانين تجارية ومصرفية غربية تضر بالأمن والسلم

2016/12/12

زياد محمد الغامدي

أولها قوانين السرية المصرفية السويسرية، والتي فصلت بطريقة يستحيل معها تعقب العمليات والتي تمنع إفشاء ملاك الحسابات حتى في حالة أخذ إذن قضائي.

قوانين السرية المصرفية أضرت في سويسرا لم يستفد منها سوى لصوص الدول وتجار المخدرات ومهربي الأسلحة وغيرهم من المجرمين. ولم تستفز الولايات المتحدة الامريكية من هذه القوانين المستفزة إلا بعد أن بدأت تستخدم للتهرب الضريبي من مواطنيها. قوانين السرية المصرفية السويسرية أكبر اختراق لأمن الدول، ولا أفهم كيف استمر هذا النظام وما زال (سوى على قضايا التهرب الضريبي في الولايات المتحدة).

قانون سويسري آخر لا يقل وقاحة عن قانون السرية المصرفية، قانون إخفاء ملكية الشركات، حيث يحق للشركات في سويسرا إصدار أسهم بـ25% من رأس المال دون معرفة ملاكها، وهذه الأسهم تكون على صور شهادات ورقية يتم تداولها، وحين يتم توزيع الأرباح يصرف (لحامل السند)، دون أن يسأل حتى عن اسمه. وهذه الطريقة العجيبة في إصدار الأسهم لم يستفد منها سوى الخارجين على القوانين والمارقين والإرهابيين.

أما القوانين المصرفية في جزر الملاذات الضريبية فمفصلة لغسيل الأموال، فمعظم الحسابات هناك تفتح بأسماء شركات مسجلة في نفس الجزر، ولا تتطلب القوانين أي شكل من أشكال الإفصاح عن الملاك أو مصدر الأموال، فهذه كلها ترهات عندهم. كل ما يتطلبه فتح الحساب تأسيس شركة (بألف دولار) ومن ثم إيداع الاموال في مصارف (الأوفشور) المتواجدة في هذه الجزر.

وهذه المهازل كلها تحدث أمام مرأى ومسمع ما يسمى بالدول المتقدمة دون أن يحرك ذلك ساكنا لديهم. بعض هذه الجزر تصدر جوازات سفر بمبلغ مستقطع سنوي، وشر البلية ما يضحك.

شخصيا لست مستغربا، فالغرب منافق في صميمه، وموقفه تجاه القضية الفلسطينية يؤكد ذلك. ولا أعلم كيف سيتبجح الغرب بالنظام الديمقراطي بعد أن أتى هذا النظام برجل معتوه يحتقر المعاقين ويستهزئ بهم، ويتبجح بفحشه مع النساء، أقول أتى هذا النظام برجل مختل وعنصري وسفيه إلى سدة الحكم.

من يحاول فهم الغرب في غير الإطار المادي البحت والمنسلخ عن كل قيمة أخلاقية سوية لن يصل لأية نتيجة، وما الصمت على إرهاب الصهاينة الذي ولد كل أشكال الإرهاب ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم كله إلا دليل على هذا. ويخطئ من يعتقد أن هذه القوانين وضعت قديما ومع الوقت سيتم تطويرها، بل على العكس، مثل هذه القوانين وضعت بعناية لخدمة مصالح دوائر سياسية لا ترى ضيرا من التكسب من الجريمة طالما كانوا أنفسهم في مأمن عنها.

كل هذه القوانين التجارية والمصرفية الغربية كانت خنجرا لكل من أراد طعن العرب، فأتباع الدولة الخمينية وعناصر الإرهاب والصهاينة وغيرهم من السفلة كلهم استخدموا هذه القوانين لتمويل أجندتهم. العرب خالدون وهذا وعد الله، أمة تبنت الأخلاق والمكارم والشيم، أمة لم تظلم أحدا قط، بل رحمت، وأجارت، وبنت، وحررت كل مظلوم ومسلوب ومستضعف من كل طغيان. ما يحاك ضد العرب ليس سوى زوبعة في قاع فنجان، فمئة أو مائتان أو حتى ثلاثمائة سنة ليست بالشيء الذي يذكر في تاريخ البشر، وضعف العرب الآن مسألة آنية لا بد أن تزول، ولا بد أن يرتد كل شر على من حاكه، هذه سنة الله في الكون, وهذا ما نؤمن به.


ما خطوتي الأولى الآن

2016/12/12

لمى الغلاييني

مضى عشر سنوات على زواجهما لكنهما يتشاجران في كل مرة يحتاجان فيها إلى اتخاذ قرار مهم في حياتهما، تتهمه بأنه مستبد الرأي، ولا يبدي اهتماما لما تفكر به، وتود لو يصبح أكثر تفهما لما تقدمه من مقترحات، أما هو فقد شرح مشكلته وقال: «كلما كان لدينا قرار نتخذه علي أن أبدأ أولا بعرض وجهة نظري، لأنها لا تعرف ماذا تريد بالتحديد، وحين أنتهي من عرض فكرتي تبدأ بمهاجمتها ونقدها فأدافع عن وجهة نظري وينتهي الأمر بالشجار، وأتمنى يوما لو تتوقف عن مهاجمة أفكاري وتحاول استيعابها بحيادية».

في مجادلة كهذه، يمكن أن تستمر الأمور لوقت طويل بنفس المشكلة كما لو أن هناك قوى شريرة يسعدها ايقاد الشعلة واستمرار ذلك الدوران المتعب والمدمر للعلاقة، فكلاهما يتوقع من الآخر أن يتصرف بصورة معينة، وبالتالي يتبنى كل منهما وجهة نظره كترياق للموقف، ولكن تأمل الأمر من الخارج يكشف أن هذا الترياق هو الداء العضال، وكلاهما لا يحتمل مناقشة موقفه وهو ما يحافظ على استمرار الدوران في الحلقة المفرغة بقوة، كالبقاء مضطرا في لعبة ذات قوانين مخيفة لعدم وجود إرشادات لكيفية الخروج أو تغييرالقواعد.

حين ننظر من الخارج نجدهما يتقاسمان نفس الأسلوب الخاطئ في التفكير، بمعنى أن كليهما يعتقد أن تصرفاته هي رد فعل للآخر، وأن الآخر هو الذي يبدأ المشكلة برمتها، وهكذا يتمنى كل واحد منهما أن يتغير الآخر حتى تصبح الأمور على ما يرام، وكلاهما لديه نصف الصورة ونصف الحقيقة، وامتلاك نصف الحقيقة قد يكون مضللا كالكذب، وإن محاولة دراسة جانب واحد من أطراف الاتصال هو كمتابعة مباراة تنس بالنظر لأحد نصفي الملعب، وقد نمضي الوقت الطويل نتساءل من أين تأتي الكرة.

نقطة التحول في هذا النوع من الشجار هي الخروج من الموقع الشخصي ومحاولة النظر للموقف بحيادية من الخارج بأن نسأل السؤال الأساسي: ما الذي يمنع الموقف من التغيير؟ ما خطوتي الأولى التي سأبادرها الآن؟

إن الدوران في تلك الحلقات المشدودة يمكن أن يستمر ويتصاعد بشكل متواصل حتى يصل للعنف، لأن كل طرف حبس نفسه داخل منظوره، ونحن دوما نرى أن ما نفعله هو الصواب والمنطقي تماما، ومن وجهة نظر الشخص الآخر يبدو ما نفعله خاطئا أو غريبا للغاية. وقد نكون أنا وأنت جزءا من هذه الحلقات المقيدة، وستتسع خريطتنا الإدراكية كثيرا لو حاولنا دوما في كل المناقشات أن نغادر موقعنا الشخصي ونتفقد موقع الآخر بحيادية فسيمنحنا ذلك رؤية أوسع وبداية جديدة لعلاقات صحية مع الطرف الآخر.


متطلبات العصر

2016/12/12

محمد المعيبد

هذا العصر يستوجب منا التكيف مع منجزاته الحضارية، والحرص في أسلوب التعامل بما لا يتعارض مع قيمنا ومبادئنا الدينية والاجتماعية وموروثاتنا الثقافية التي قد تصطدم أحيانا مع آثارها المترتبة عليها. مع التسليم بضروراتها الحياتية، فلا بد من تطويعها لخدمة أغراضنا وأهدافنا وتسخيرها لتوسيع دائرة انتفاعنا. والتجارب التي عشناها خير قياس، والأمثلة كثيرة منها: البث عبر الأثير بالصوت أحدثت هزة أرعبت المتخاذلين عن التأقلم معها وبعد استيعابها وتحسين أساليب استخدامها أصبحت أداة يستخدمها الجميع، ولم تعد تلك المحاذيرالتي افترضناها. وتطورت الاكتشافات حتى أصبحت صوتا وصورة وكاسيت وفيديو، وتوالت إلى أن وصلت الفضاء بأقمار تبث عبر الأجواء تلفزة فضائية والإنترنت والجوال، فالمنتجون لم ولن يتوقفوا أو يستشيروا أحدا في إنجازاتهم، وما على الأطراف المستهلكة إلا التبصر في استحداث أساليب الانتفاع وليس الرفض والامتعاض؛ لنتمكن من الاستفادة. والتجارب تؤكد على صحة هذا المنهج، فعندما أنشأت وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة موقعا لها على الإنترنت فالعلماء والمشايخ ورجال الفكر والمؤسسات المالية والتجارية والاقتصادية استطاعوا أن يستفيدوا من توصيل رسائلنا بأفكارنا، ونقارعهم الحجة بالحجة دون التقوقع في الركن المنسي لنتلقى اللطمات لتزيدنا استسلاما وخضوعا لمآربهم. من هنا، توجب علينا التمحيص في كل جديد وارتداداته؛ لاكتشاف التحولات الفرعية المصاحبة له، والتي ستتأثر بالطبيعة بهذا المنجز في الجوانب البيئية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ولا بد من البحث عن مكامن النفع واستغلالها.. فلو أخذنا بالقياس وجود السيارة في مجتمع ريفي فلن تكون مفيدة ما لم تتهيأ لها شوارع وورش صيانة وإشارات مرور ومواقف، وهذا بطبعه سيباعد بين الجيران وسيخلق فرص عمل جديدة ونقلة نوعية للبيئة وللمجتمع الريفي، وهذا من أبجديات القياس وعليه يمكن الحكم على بقية المنجزات الحضارية وكل منها له الأثر والتأثير الذي يصاحبه وينسجم معه. هذه المقدمة سأجعلها مرتكزا ومحورا حول قيادة المرأة للسيارة انطلاقا من حرية الرأي، ولو كان مبنيا على الاختلاف في وجهات النظر؛ لكي نصل إلى قناعات ومناقشات تنهض بالفكر وتحترم الآخر. وقبل الدخول إلى الصلب، علينا ترتيب أوراقنا في تكويننا الأسري والتي تبعثرت من جراء المنجزات الحضارية التي لم نحسن التعامل معها تحت هاجس الخوف والشك والريبة دون تمحيص لمعطياتهم، ولم نكلف أنفسنا بالبحث عن تأثيرات ما سنقوم به، وما سيترتب عليه من آثار، كاستخدامنا السيارة للنساء إلا تحت مظلة أنه وباء يجب مقاومته؟ حتى هذه المقاومة والرفض لم يكونا قادرين على الحد من انتشار ذلك الوباء المزعوم عندما استخدمه الرجال، مما خلف وراءه الآثار المحسوبة وما ترتب عليها من تغييرات وتفرعات جانبية كما ذكرت في مقدمة هذا المقال. وهناك مجموعة مؤثرات تداخلت، كاتساع المدن، وانتشار التعليم، وسيطرة الآلة، وتغير وسيلة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وزوال الحواجز القارية، والاتصال البشرى، ووفرة السيولة، كل ذلك يرسم أيدلوجيات جديدة تحدد لنا مسلك حياة علينا أن نؤطرها بما يمليه علينا تشريعنا السماوي القادر على مواءمة هذه المنجزات. من هذا المنطلق، أدخل إلى الصلب، أن قيادة المرأة للسيارة ستكون أقل سلبية من ركوبها مع السائق أو سيارة الأجرة، فقيادة المرأة لسيارتها بنفسها أكرم وأشرف وأعف لها من صحبة رجل غريب عليها. أما عن عوائق التطبيق فالأنظمة كفيلة بردعها وإزالة ما شذ منها فدعونا نتحاور.. ¿أولا: هناك من يقول إن قيادة المرأة للسيارة من أعظم الأسباب المؤدية إلى الفتن. منها الاختلاط والتبرج، فالخوف في غيرمحله؛ لأنها لن تسوق بلباس البحر أو بفستان الفرح، فما هي عوامل الربط بين التبرج والاختلاط وقيادة المرأة للسيارة. ¿ثانيا: لم نسمع أو نقرأ بتلك الفتاوى التي حرمت قيادة المرأة للسيارة، وما هو الموقف مع نساء البادية لدينا اللاتي يقدن السيارة. ¿ثالثا: وهناك من يسأل كيف لو طوردت أو تربص بها؟ فالجواب هو أن يعامل كمعتد على أي من حرمات المسلمين. ¿رابعا: الاستشهاد بالمضايقات والمطاردات من قبل الشباب لحافلات الطالبات، أليس هذا تأكيدا ودليلا على عدم انتفاء الشر حتى على المجموعات، فالعلاج لا يأتي من الحرمان. ¿خامسا: أما عن حديث الوجل والخوف من التبرج والسفور، فلا أرى له مبررا؛ لأن صون العرض والشرف لا تحدده قيادة المرأة للسيارة، وإنما الأخلاق والتربية الدينية والتي لا أخالها مهملة في مملكتنا الحبيبة. وحيث لم تتح فرصة للتحليل لمعرفة مكامن الخطر ليتم علاجها وإزالة الأضرار إن وجدت.


بريطانيا والخليج.. أفلحت إن صدقت

2016/12/12

عبدالوهاب الفايز

قمة مجلس التعاون الأخيرة في البحرين أكدت من جديد قدرة المجلس على توسيع مجالات عمله ومصالحه، فقد أكد زعماء دول المجلس أنهم على مستوى التحديات، وأنهم قادرون على جعل التجربة رائدة، وتقود الشعوب إلى تكريس مصالحها المصيرية المشتركة.

أبرز ما حملته القمة الأخيرة، هو دعوة المملكة المتحدة لتكون شريكا إستراتيجيا في مسيرة دول المجلس، وفي هذه الشراكة مصلحة كبرى للطرفين على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالمملكة المتحدة ما زالت في قائمة الدول العظمى المحركة لمسار الأحداث في العالم، وهي الوسيط القادر على موازنة المصالح بين طرفي الأطلسي أمريكا وأوروبا، وهي الأعرف أيضا بالمنطقة والقادرة على الوقوف أمام المشروع الإيراني التخريبي.. إذا أرادت.

والآن الظروف السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية تهيئ الفرصة لنجاح الشراكة بين بريطانيا ودول الخليج، فكل طرف يحتاج الآخر. بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تحتاج الشراكة التجارية التي تفتح الأسواق لخدماتها وصادراتها، ودول مجلس التعاون لديها الاقتصاد المتنامي ولديها الأسواق الاستهلاكية المتوسعة، ولديها الثروات الطبيعية الأساسية، ولديها الاستثمارات الخليجية المستوطنة في بريطانيا، وتبحث عن التوسع وتحتاج الاطمئنان.

أيضا دول الخليج لديها الموقع الجغرافي الإستراتيجي الناقل للبشر والسلع، وبريطانيا في القرنين الماضيين هيمنت على المنطقة وقادت اللعبة الكبرى حماية لممراتها التجارية بين الهند وبين أوروبا، لذا هي أول من يعرف الأهمية الإستراتيجية الجغرافية التي يمكن استثمارها عبر الشراكة التي تقوم على المصالح المشتركة الإيجابية للطرفين، وهذا مهم في الحقبة المقبلة مع توجه الصين لبناء (طريق الحرير) الجديد.

هذه النقلة الجديدة في الاداء السياسي لدول مجلس التعاون نتمنى تفعيلها عبر آليات وفرق عمل بين الطرفين، فالمبادرة البريطانية تؤكد مدى الحيوية والأهمية السياسية والاقتصادية لدول المجلس، وخطوة تقدم الدليل العملي على عمق الاستقرار السياسي في الخليج الذي تتضح الآن أهميته للاستقرار العالمي وليس فقط للمنطقة، ولعل هذه القناعة المتجددة تأخذ المجتمع الدولي، بقيادة المملكة المتحدة، إلى ايقاف العبث والتخريب الذي يتبناه نظام الملالي الإيراني المدمر لمصالح الشعب الإيراني ولمصالحنا.

بريطانيا تعود للمنطقة بقوة عبر المشروع الكبير؛ لأنها كما قالت رئيسة الوزراء تريزا ماي في كلمتها أمام القمة (تعود إلى الأصدقاء القدامى)، وهذا الوفاء لا بد أن يقابل بالوفاء والعرفان.. وكل الذي ترجوه شعوب المنطقة هو الأصدقاء الأوفياء الحكماء الذين لديهم النية الصادقة لإخراج المنطقة من أزمتها الكبرى وحروبها المستمرة، فدائرة العنف في المنطقة تجاوزت مخاطرها وأضرارها إلى العالم أجمع.

نتمنى أن تستطيع الحكومة البريطانية الوقوف في منطقة الحياد الإيجابي من قضايا المنطقة، فالانحياز البريطاني السلبي والأعمى إلى الموقف الأمريكي في مشروع احتلال العراق ساهم في حالة الفوضى القائمة الآن، وضرره لحق أمريكا وبريطانيا والمنطقة، وهذا ما أقرته نتائج التحقيقات التي جاءت في تقرير لجنة تشيلكوت الشهير، الذي أوضح أن رئيس الوزراء بلير انقاد إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بصورة أضرت بمصالح بريطانيا، وأوجدت الفوضى التي أنتجت داعش وجماعات الحشد الشعبي العراقية الإرهابية.

الذي نرجوه أن تكون بريطانيا جادة وصادقة في حلفها الجديد مع الأصدقاء القدامى، فهي الكاسب الأكبر من مشروع التحالف، ونقول أخيراً: قد أفلحت إن صدقت!


العرب بين الكرم والاستبداد من وجهة نظر يابانية

2016/12/12

د. محمد الخالدي

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا

وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

«الإمام الشافعي»

وجدت عن طريق الصدفة، وأنا في زيارة لدبي مؤخرا، كتابًا فريدًا في طرحه. كان الكتاب بعنوان «العرب، وجهة نظر يابانية،» للكاتِب الياباني المستعرب «نوبوأكي نوتوهارا» وقد صدرت طبعته الأولى في العام 2003م.

بدأ الكاتب حياته طالبًا في قسم الدراسات العربية بجامعة طوكيو، ثم أستاذًا للأدب العربي المعاصر في القسم نفسه، وقد قضى نحو أربعين عامًا يجوب البلاد العربية ويتابع الرواية العربية ويعيش حياة العرب في المدينة والريف والبادية. وهو من موقعه كمراقب مقارن جاء من ثقافة مختلفة تمامًا، ومن منطلق حبه للشخصية العربية، أراد أن يهدي لنا هذا الكتاب.

والكتاب كما أراه من الكتب النادرة التي فحصت الشخصية العربية ودرست المجتمع العربي بشكل عميق غير منحاز، وأوضحت لنا درجة التباين بيننا وبين مجتمع آخر هو اليابان، في مفاصل مهمة لها علاقة بتقدم المجتمعات وتطورها. والقارئ المتأمل لهذا الكتاب لا يمكن إلا أن يعترف لكاتبه برهافة الحس والتزامه بمبدئيته، وعلى رأس ذلك، موقفه الواضح والمنصف تجاه قضية العرب المركزية، فلسطين.

وسواء اتفقنا معه أو اختلفنا في بعض طروحاته وتشخيصه لوضع العرب الاجتماعي والثقافي والسياسي، فالكثير من وجهات نظره أراها صائبة ودقيقة. وسأقتطف هنا أهم ملاحظاته. ولعل من أهم ما لم يقله، أنه برؤيته الثاقبة وتجربته الحية، نظر إلى العرب كأمة واحدة رغم اتساع الجغرافيا وتباين الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها.

أول ما لاحظه من خلال حياته في بعض الأقطار العربية، هو غياب العدالة الاجتماعية. ففي ظل عدم سيادة القانون على الجميع وغياب الحرية، تتعرض حقوق الإنسان للخطر. ويرى أن ذلك هو منشأ القمع الذي يتعرض له الإنسان العربي. فالعربي في نظره لا يشعر بأن له قيمة. فالقمع يبدأ من سلطة الأب في المنزل إلى سلطة المعلم في المدرسة، فيألف الطفل القمع كجزء من وجوده. كما أن المجتمع العربي يتميز قمعه أيضا بفكرة النمط الواحد، فهناك زعيم واحد، ورأي واحد، ومذهب واحد، ولباس واحد.

وهو يرى أنه في مجتمع تغيب فيه العدالة، ويسود القمع، وتذوب فيه الشخصية الفردية، فإنه يغيب الوعي بالمسؤولية. فتجد أن المواطن العربي لا يشعر بمسؤوليته تجاه الممتلكات العامة، كالمدارس، والمستشفيات، والمتنزهات العامة، والشوارع، ووسائل النقل، والشواطئ، والغابات. بل قد يسعى لتدميرها لأنه يربط غالبًا بين الممتلكات العامة والسلطة القمعية، فيدمر بلده لا السلطة.

وقد انتبه الكاتب إلى أن سياسة القمع تمتد أيضًا إلى المعارضة. فحزب المعارضة عند العرب هو سلطة تنتظر دورها في السيطرة على الحكم وإدامة القمع. فإنطوان سعادة، مثلًا، يتمتع بين أتباعه في الحزب القومي السوري الاجتماعي بالقداسة. فهو الزعيم الخالد الذي يمثل الحقيقة وحده. وبقي خالد بكداش زعيما خَالِدًا للحزب الشيوعي السوري، حتى ورثته زوجته في قيادة الحزب بعد وفاته، التي تعد ابنها أيضًا لخلافتها بعد رحيلها.

والعربي في نظره لديه مسلمات دينية واجتماعية يفسر من خلالها المستجدات والوقائع الجديدة. فالعربي يتناول أفكاره من خارجه، بينما الياباني يستنتج أفكاره من الواقع المعاش، ويضيف حقائق جديدة من تجاربه، فالعربي يجتر الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد. وليس أدل على صحة كلامه هنا، من خلافاتنا المذهبية التي لا تستند إلى الواقع المعاش وحاجتنا للوحدة، بقدر ما تستحضر خلافات وأحداثًا وقعت قبل ألف وأربعمائة سنة.

وضرب المؤلف مقارنة لذلك في كيفية تصرف اليابانيين بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، حين أجروا نقدا ذاتيًا قاسيًا على أنفسهم، واستبعدوا العسكر من قيادة البلاد. ولَم تكن المشكلة لديهم الحقد على أمريكا من عدمه، ولكن أرادوا أن يعرفوا دورهم بشكل صحيح، ويختاروا الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره مستقبلا.

وبينما يعاني الألمان عقدة التفوق، واليابانيون عقدة الدونية، فقد وجد الكاتب أن العرب يعانون عقدة الشرف. فهم يخافون من العار. ويدفعهم ذلك أحيانًا إلى الازدواجية في شخصياتهم. فهم أشخاص لهم قيم في بيوتهم مختلفة عن تلك التي يمارسونها خارج بيوتهم. وفي رأيه، ينتج عن تلك الازدواجية أشكال لا عد لها من الرياء والخداع والنفاق والقمع. وربما قد يفسر ذلك حرص كثير منا على أن يكون مظهره الخارجي يوحي بالاستقامة، بينما هو يمارس سرًّا كل الموبقات.

كما لاحظ الكاتب ان المجتمع العربي يعيش أزمة ثقة. فاليابانيون استعادوا الثقة داخل مجتمعهم بعد ان فقدوها بعد الحرب. فالناس في اليابان، يعملون بضمانة الثقة في كل تعاملاتهم اليومية، سواء كان ذلك داخل الأسرة أو خارجها. أما في المجتمعات العربية، فقد لاحظ الكاتب انعدام الثقة التي هي أساس كل نهضة وتقدم. وأشار الكاتب إلى ما رواه يوسف إدريس عن سر نهضة اليابان عندما رأى في منتصف الليل عاملًا يعمل وحيدا بكل جد ومثابرة، دون أن يراقبه أحد.

فكثير من العلاقات في الوطن العربي تقوم على الصلات الفردية أو الخدمة الخاصة، أو الرشوة، لأن غياب الثقة تحل محله المنفعة المتبادلة، كما نعبر عنه بالعامية «امسك لي واقطع لك» أما في اليابان، فالثقة بصاحب العمل موجودة بشكل كبير، لأن هناك عقدًا قائمًا من الثقة غير مكتوب بين الموظفين وصاحب العمل. والثقة موجودة لديهم حتى في صحافتهم. أما العرب فلا يثقون بقادتهم أو صحافتهم، أو إدارتهم وأرباب أعمالهم. فالفلاح لا يثق بالتاجر، ولا يثق المواطن بالقضاء أو الأحزاب السياسية.

رَأى شَبَحًا وَسطَ الظَلامِ فَراعَهُ… فَلَمّا بَدا ضَيفًا تَشمَّرَ وَاِهتَمّا

فقال هَيا ربَّاه ضيفٌ ولا قِـرى… بِحقِّك لا تحرمْه تالليلةِ اللّحمـا

وَقالَ اِبنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ… أَيا أَبَتِ اِذبَحني وَيَسِّرْ لَهُ طُعما

وَلا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا… يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا

«الحطيئة»

تطرقنا بشكل خاص إلى ما وصفه الكاتب الياباني «نوبوأكي نوتوهارا» بمشكلة العرب الأولى، ألا وهي القمع. فعندما يحتل الفرد موقعًا أعلى من غيره، فإنه يبدأ بممارسة القمع على من هم دونه.

وفي المقابل، أشار الكاتب إلى كثير من الأمور الإيجابية في حياة العرب. فقد كان مغرمًا بحياة البدو. وتعلم الكثير من ثقافتهم. فقد عُني بأدب الصحراء كثيرًا، ليس بحثاً عن الغرابة، ولكن بحثًا عن المعنى. وقد أدهشته النظرة المتعالية للمثقفين في الوطن العربي تجاه ثقافة البدو. فأصحاب المدن يجهلون كل ما خالف حياة الاستقرار. والحقيقة البسيطة هي أنه في الوقت الذي يبني فيه الإنسان البيت، فإن البيت بدوره يبني الإنسان. وبعكس البدو الرُّحل الذين يعيشون في أفق مفتوح ولا يربطهم منزل بعينه، فإن الإنسان المستقِر محبوس بفهمه وفكره وفلسفته في الحياة، في بيت مقفل معزول.

والبدوي، حسب رؤيته، يحكم حياته عاملان، وهما عدم الاستقرار في مكان، ووقوفه أمام الطبيعة القاسية وجهًا لوجه دون حماية. وهذا ولَّد لديه الشعور بعدم ضرورة الملكية، فالماء والعشب والنار ملكية عامة عند البدوي، لذلك، فهو يحتفظ بما هو ضروري فقط للبقاء على الحياة. وهذا خلق عنده شعورا بالقوة، وكذلك جعل الصبر رديفًا لطبعه. وهو صبر يختلف عن صبر ابن المدينة، لأنه صبر في مواجهة الطبيعة.

ويذكر الكاتب حكايةً بدوية تختصر معنى الصبر عند الطوارق. فقد أوصى رجل وهو على فراش الموت ابنه فقال: يا بني إن أردت أن تعيش حياة كريمة فلا تشرب إلا ماءً عذبًا، ولا تأكل إلا طعامًا طريًّا، ولا تركب إلا جملًا أصيلًا. فرد الابن قائلًا: يا أبتِ، كيف يستطيع شخص معدم مثلي أن يفعل ما أردت؟ فقال الأب: تحمل الظمأ إلى النهاية، فيصبح كل ماء تشربه عذبًا، ولا تأكل حتى يعضك الجوع، فيصبح كل طعام تأكله شهيًّا. وامشِ إلى جوار جملك حتى يهدك التعب، فيصبح أي جمل تركبه أصيلًا. فالبدوي يرى الجمال والسعادة في عيشه من خلال صبره وتحمله.

وما أذهله حقًّا هو كرم الضيافة عند العرب الذي ليس له مثيل في اليابان. فكثير من الناس بيوتهم مفتوحة للزائرين في أي وقت، وهو يرى ان هذا الشكل من العلاقة بين الزائر والمكان لا يحدث في اليابان إلا في المعابد. ورأى الكرم في أعلى معانيه يتمثل في البدوي الذي يجود بكل ما يملك لضيفه، بينما قد يتردد ابن المدينة الميسور بأن يجود ببعض ماله. والبدوي في نظره، هو خير من يدرك معنى الآية: «وجعلنا من الماء كل شيء حي،» باعتماده كليًّا على المطر، كونه يمثل مفهوم الخير لديه. والبدوي كريم ونبيل، لا يختار ضيوفه كالحضري، فهو يقدم الضيافة لأجل الضيافة. وهو يقدم حياته رخيصة عند مواجهة الخطر. ولأن البدو يتحدَّون الطبيعة باستمرار، فإنهم لا ينحرفون أخلاقيًّا، ويتمسكون بقيمهم بقوة. فالصحراء تعني «المطلق،» فالبدوي لا يعرف التسوية أو الوسطية. فهو متطرف دائما في كرمه وصبره وأخلاقه، وعنفوانه.

ويستقي الكاتب من الروائي الكبير إبراهيم الكوني في مجموعته القصصية «القفص،» أنه «لا يوجد في الصحراء أي شيء، وفي الوقت نفسه يوجد كل شيء.» فالصحراء غنية بفقرها، وكريمة بشُحِّها، وصاخبة بهدوئها. ويهدينا فلسفته البارعة في سكون الصحراء، بقوله «إن تراب الفلسفة في الصحراء هو الصمت.» وتوصَّل الكاتب إلى حقيقة صحراوية مضمونها أن القراءة والكتابة ليست وحدها مقياس العلم والجهل. فالبدوي ليس جاهلًا لان لديه فلسفته الخاصة في الحياة والموت.

وبرغم هدوء الصحراء، فالبدوي دائمًا مستنفَر ينتظر المعركة. بينما تقود الراحة الحضري إلى التراخي والكسل، فتصبح حياته رخوة. والبدوي لا يعرف الملل أو الضجر، فهو ينتظر في خيمته ساعات طوال أثناء النهار، وقت شدة حرارة الشمس والعجاج حتى تغيب الشمس، فتبرد الأرض بعد ساعات، ويهب النسيم العليل.

فالصحراء هي المكان الذي يواجه فيه الإنسان نفسه ويكتشف قيمته، دون ان يستطيع الهرب من هذه المواجهة. ولذلك، فالكاتب يعتقد أن الصحراء هي موطن العقيدة بامتياز. ومن أتعبه البحث عن عقيدة في أي مكان، فبإمكانه أن يجدها في الصحراء. فالبدوي كما يقال: «يطلب الحليب من الناقة والولد من زوجته، ولكنه لا يطلب الماء إلا من الله».

والكاتب يعتقد «إذا انقرضت الثقافة الصحراوية البرية، فإن البشرية كلها ستخسر وجهًا عظيمًا من وجوهها الثقافية» وهو في استنتاجه هذا يشبه الكاتب «أسعد علي» في كتابه «البداوة المنقِذة،» الذي يرى أن البداوة هي السبيل لإنقاذ العالم من علّتي «التراخي والأنانية،» اللتين هما أصل كل علله الجسدية والروحية.

وفي النهاية يرشدنا الكاتب بكلمات بسيطة صادقة، بأن سبيل العرب إلى النهضة يأتي من خلال إقامة العدالة الاجتماعية، والوحدة العربية، والنهوض العلمي، وبناء علاقات تصالحية جديدة داخل المجتمع نفسه ومع الخارج.


هل نحن متدينون جداً وفاسدون جداً

2016/12/12

إدريس الدريس

تهمة شدة التدين مع شدة الفساد أطلقها بعد أن لمسها معايشة الياباني تواهارا وقد دونها في كتابه الصادر تحت عنوان (العرب من وجهة نظر يابانية) والمهم في هذا الكلام أنه يأتي من رجل ينظر إلينا من خارج الصندوق والأهم أنه ينطلق بهذه القناعة وغيرها إثر إقامته بيننا لعدة سنوات وقد خبر عن معايشة وتجربة بعض طبائع العرب والتي ضمنها كتابه الذي أصدره بعد أن عاد إلى اليابان.

بالنسبة لي فإنني أتفق كثيراً مع رؤية واستنتاجات تواهارا وليس ذلك من باب «جلد الذات» لكن ربما أن ذلك نابع من باب مراجعة النفس ومعاينة الواقع ومقارنته بما أورده تواهارا فلو خلا أحدنا إلى نفسه فسيجد أن أكثر المآخذ التي رصدها عن العرب قائمة وموجودة ولا يجحدها إلا مكابر ومعاند ولا يمكن النظر إليها من باب الشعوبية أو العنصرية.

فالعرب بطبعهم متدينون وقد زادت خلال العقود الثلاثة الماضية جرعة الدين وذلك خلال تمدد ظاهرة ما عرف بالصحوة والتي وضح أثرها الظاهري والشكلي على كثير من الناس رجالاً ونساءً لكن اعتياد المساجد وموالاة الاستماع لبرامج الفتاوى والمواعظ الإذاعية أو المنبرية لا تكاد بكل أسف تلمس له أثراً في السلوكيات المدنية الحضارية والتي تنسجم مع معطيات العصر ويظهر ذلك واضحاً مثلاً عند تراكم السيارات واصطفافها العشوائي عند الجوامع دون مراعاة لما يترتب على ذلك الوقوف الجائر من إزعاج لجيران المسجد والحال مثله مع استخدامنا المتهور للسيارات داخل المدن وأسلوبنا المخالف في قيادة السيارة بما لا يراعي قانوناً مرورياً ولا ذمة أيضا ينعكس الفساد عند ارتيادنا للحدائق العامة أو المنتزهات الخلوية وما يحدث فيها من انتهاك للبيئة وترك للمخلفات في أنانية صرفة لا تبالي بحق المجموع ويمكن على هذا النحو القياس على أوجه عديدة للفساد المستشري في الدوائر الحكومية وعدم المبالاة بالممتلكات العامة وعدم الحرص على سلامة الأجهزة والمقتنيات العامة تبعاً للنظرة السلبية السائدة تجاه «حلال الحكومة» وكان من المتداول عند بعض الناس (حلال مهوب حلالك جره على الشجر) وهذه أيضا نظرة فردية قاصرة لا تدرك أن الملكية العامة هي حق للجميع وقد أشار إلى ذلك السيد تواهارا ضمن ملاحظاته أو مؤاخذاته العديدة والتي من ضمنها أن العرب يكررون كثيراً كلمة «الديموقراطية» لكنهم لا يطبقونها، وقد صدق في ما قال فما زلنا نتذكر أن أكثر الحكومات العربية دكتاتورية وتسلطاً هي التي تمعن في استخدام هذه الكلمة في اسم الدولة أو في خطب أعضاء الحزب الحاكم وهل كان لذلك أن يكون ممكناً في وجود معمر القذافي وعبدالفتاح إسماعيل وعلي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وحافظ وبشار وجورج حبش وأبو نضال والمالكي؟

أيضاً يضيف تواهارا ملاحظة أخرى حين يقول إنهم في اليابان وغيرها يضيفون حقائق ونظريات ومخترعات جديدة بينما يكتفي العربي باستعادة حقائق اكتشفها في الماضي البعيد ولا أظن أن أحداً يمكن أن يجادل في هذه الحقيقة أيضاً.

ذلك أن الياباني مثله مثل الأوروبي والصيني والأمريكي وغيرهم من الشعوب المتقدمة يتنافس مع البقية في سباق المكتشفات والاختراعات والصناعات الجديدة والدقيقة وما تعيشه هذه المنتجات من تحولات وتطورات متتابعة في ظل هذا التنافس العالمي المحموم على كسب أسواق الاستهلاك وتنمية موارد الاقتصاد وتنويعها.

وفي المقابل فإن العربي المنهزم أمام هذا المد العلمي والتقني العالمي وعجزه عن المواكبة والملاحقة والمحاذاة فإنه عوضاً عن ذلك يعمد إلى تنقيب الكتب ومراجعة التاريخ القديم ثم الاستشهاد ببعض الرواد الذين أسسوا وبلطوا الأرضية لما يحدث الآن من تقدم علمي وتقني وحتى مع كون ذلك صحيحاً فإن الركون إليه والنوم على وسادة التاريخ الذي مضى إنما هو تعبير وتأكيد على العجز والشعور بالدونية بالقدر الذي يدفع العربي إلى البحث عن مفاخره السابقة وكان أحرى به أن يجعلها جسراً يركبه إلى الحاضر والمستقبل وألا يكتفي بتوسد التاريخ في سبات طويل.

أخيراً يعترف تواهارا بشيء من العنصرية التي مورست ضد العرب لكنه يرى مع ذلك أن العرب استمزجوا ذلك وأصبحوا يمارسون هذه العنصرية ضد بعضهم الآخر وهذا واضح فعلاً في الخلافات والاختلافات التي تحدث بين دولة عربية وأخرى وما يحدث من صراعات سواء على الصعد الرسمية أو الشعبية.

ختاماً لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذا الكتاب (العرب من وجهة نظر يابانية) هو البند الأول والوحيد على أجندة مؤتمر القمة العربي القادم ولجعلته منهجاً يدرّس للناشئة في الصفوف الدراسية الأولى ولجعلت منه تلخيصاً لإحدى خطب الجمع التي يجب تعميمها على جميع الجوامع العربية.

شكراً تواهارا أنك عرفتنا جيداً أكثر من معرفتنا لأنفسنا.


البريكست وستة ناقص واحد

2016/12/12

عبدالرحمن الطريري

العالم كله يتغير وليس منطقتنا فقط، التغيير في إستراتيجيات الدول العظمى وأهدافها الاقتصادية تؤثر في أوروبا وآسيا، كما تؤثر بالطبع في منطقتنا العربية، تهب رياح اليمين في أوروبا لتلحق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي تلا فوز ترمب بالانتخابات الأمريكية، يعني ذلك أن الكثير من ما يقال عن استطلاعات الرأي أو تشكيل الرأي العام ليس صحيحا بالضرورة.

فترتا أوباما اللتان تميزتا بالضعف والانسحاب من مناطق عدة، سمحت للصين شرقا بالتمدد في بحر الصين، وساهمت في أن تصبح كوريا الشمالية أكثر خطورة، وفي أوروبا القريبة منا تمددت روسيا في جورجيا 2008، ثم عادت لتتمدد في أوكرانيا 2012، وابتلعت القرم كلقمة سائغة، وتراجع أوباما عن نشر الدرع الصاروخي في عدة دول أوروبية، وتركيا الحليف التاريخي والعضو المهم في الناتو، لم يجد أدنى إشارات الدعم بعد احتدام صراعه مع روسيا بعد إسقاط طائرة السوخوي.

بل إن تركيا شعرت في لحظة الانقلاب أن الولايات المتحدة لم تكن ضد الانقلاب، وما زالت حتى اللحظة لم تسلم فتح الله غولن لأنقرة، فما كان من تركيا إلا أن بحثت عن مصالحها مع روسيا مع ما يشمله ذلك من تنازلات على الخريطة السورية، ومصالحتها مع إسرائيل لحماية مصالحها أيضا في المنطقة.

إيران اليوم وبغض النظر عن ما تخشاه من رئاسة ترمب القادمة، إلا أنها تتميز ببراجماتية عالية جعلتها تستفيد من شهوة التمدد الروسية في المنطقة، فكان أن أصبحت القوات البرية للجيش الروسي، واستمرت بسعي حثيث في تجييش مقاتلين جدد لمهمة قتل السوريين، عبر ميليشيا حزب الله وعناصر من الحرس الثوري وعدة ميليشيات أخرى.

براجماتية إيران ظهرت في قدرتها على الانحناء للعاصفة كلما كانت الرياح أقوى، فلم ترد إيران على أي قصف إسرائيلي لشحنات الأسلحة أو قوافل حزب الله في سورية، وآخرها القصف الإسرائيلي لمناطق قريبة من دمشق، ولم ترد إيران على تصفية القيادات العسكرية لحزب الله بل وللحرس الثوري، والتي تمارسها إسرائيل منذ بدء الأزمة السورية على طريقة صيد العصافير.

اليوم تركض طهران لإنهاء معركة حلب والموصل؛ لأنها لا تدري أي رياح سيئة أتت بترمب، وإلى أي مدى سيطلب فاتورة أكبر للاتفاق النووي، خصوصا مع تمديد الكونجرس للعقوبات على إيران.

اليوم تأتي زيارة الملك سلمان لدول الخليج، للتأكيد مرة أخرى على متانة العلاقات بين الدول الخليجية، وهي الدول الأكثر تماسكا واتساقا بين شعوبها وحكامها، في بحر متلاطم من الدول الفاشلة Failure state، والتي أعاد التقرير السنوي الصادر عن صندوق السلام تسميتها بالدول الهشة Fragile States، بالإضافة إلى دول لا يسمح وضعها بتجاوز التفكير في شؤونها الداخلية.

وعندما أقول إن العلاقات متينة بين دول الخليج وشعوبها، فهذا لا يعني وجود الاختلافات حول أمور رئيسية، وعلى رأسها السياسة الخارجية المشتركة، فلا يشعر الجميع بخطورة إيران على أمنه بنفس الدرجة، ولا تتفق الدول الخليجية حول قائمة مشتركة للتنظيمات الإرهابية.

ولدول الخليج قدرات كبيرة اقتصادية وسياسية وعسكرية، لو عملت بشكل مشترك في عدة ملفات إقليمية لحققت مكاسب أكبر، ولتم تحجيم الخطر الإيراني بشكل أكبر وأكثر جدوى في اليمن والعراق وخصوصا في سورية.

اليوم دول الخليج القوية والتي دائما ما يتعامل معها الغرب ككيانات منفردة، تحتاج الدول العظمى للتنسيق معها في مختلف الملفات الإقليمية، ومن هنا تأتي مشاركة رئيسة وزراء بريطانيا في القمة الخليجية التي عقدت في المنامة، وزيارة وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون للرياض يوم أمس لعرض إستراتيجية بريطانيا في المنطقة.

بريطانيا بعد البريكست وخروجها من الاتحاد الأوروبي، تتحرك بحرية أكبر للبحث عن مصالحها، والتي ليست اقتصادية فقط، كما أنها قررت الانخراط أكثر في منطقة الشرق الأوسط، تبعا لفرضيتين أساسيتين، الخروج الأمريكي من المنطقة والدخول الروسي الذي يهدد مصالحها الأمنية.

يجب الاستفادة لتعظيم المصالح المشتركة بين دول الخليج وبريطانيا، وهو ما قد يسهم في تحجيم التمدد الإيراني وحسم الملف اليمني، وعسى أن تتعامل دول الخليج كمنظومة واحدة مع الدول الغربية، ولو تعاملت في الحد الأدنى كدول 6-1.


إذا أنهى ترامب دائرة التآمر والفوضى المدمرة

2016/12/12

السيد زهره

هذا أهم موقف عبر عنه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب على الاطلاق حول سياسة أمريكا الخارجية في عهده. ما قاله له أهمية شديدة بالنسبة إلينا في الدول العربية بالذات.
الأسبوع الماضي، ألقى ترامب خطابا في ولاية كارولينا الشمالية في اطار «جولة الشكر» التي يقوم بها بعد فوزه.
قال في خطابه نصا ما يلي:
«سوف نتبع سياسة خارجية جديدة تتعلم أخيرا من أخطاء الماضي. سوف نتوقف عن السعي إلى اسقاط النظم والاطاحة بالحكومات.. في تعاملاتنا مع الدول الأخرى، سوف نبحث عن المصالح المشتركة».
وقال ترامب أيضا: «سوف نتعامل مع أي دولة مهتمة بمحاربة الإرهاب وتدمير داعش».. وأضاف: «هدفنا هو الاستقرار وليس الفوضى لأننا نريد إعادة بناء بلادنا.. هذه الدائرة المدمرة من التدخلات والفوضى يجب وضع حد نهائي لها».
ثلاث ملاحظات مهمة يجب تسجيلها بداية على هذا الموقف الذي عبر عنه ترامب:
أولا: ان هذا الموقف يتسق مع المواقف التي سبق أن عبر عنها اثناء الحملة الانتخابية، والتي سبق أن عرضنا لها بشيء من التفصيل في مقالات سابقة.
معنى هذا ان هذا الموقف يمثل قناعة شخصية لدى ترامب لم تكن مجرد مواقف عابرة اثناء الحملة، فلم يتخل عنها بعد فوزه.
ثانيا: انه عبر عن موقفه بمنتهى الوضوح والحزم وبشكل لا يقبل التأويل. السبب في ذلك ان هناك مبررات قوية قدمها لهذا الموقف في مقدمتها على الاطلاق قناعته بأن إعادة بناء أمريكا من الداخل، وهو الهدف الجوهري الذي قاد على أساسه الحملة الانتخابية، لا يمكن ان يتحقق الا اذا انهت أمريكا تدخلاتها الخارجية وركزت على الأوضاع الداخلية.
بالإضافة إلى هذا حين يقرر ان هذا الموقف هو تعلم من أخطاء الإدارات السابقة، فمعنى هذا انه مقتنع بأن سياسات الإدارات السابقة بالتدخل في شؤون الدول والسعي لإسقاط حكومات وإثارة الفوضى لم يكن يخدم لا المصلحة الأمريكية ولا علاقات أمريكا بالدول الأخرى.
ثالثا: أنه في الوقت الذي عبر فيه ترامب عن هذه الرؤية للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بالتدخلات في شؤون الدول، حرص على أن يطرح أسسا جديدة تحكم العلاقات الأمريكية مع الدول الأخرى.
أهم هذه الأسس كما جاءت في تصريحاته، العمل على استقرار الدول الأخرى لا تقويض هذا الاستقرار ولا إثارة الفوضى، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، والجدية في محاربة الارهاب.
كما نرى، موقف ترامب بأبعاده هذه يمثل تغييرا كبيرا جدا في سياسة أمريكا الخارجية.
في الحقيقة هو انقلاب بمعنى الكلمة على سياسات الإدارات الأمريكية السابقة.
بالطبع، علينا أن ننتظر حتى يتسلم ترامب السلطة الشهر القادم، لنرى اذا كان سيطبق هذه السياسة الجديدة فعلا أم لا.
لكن اذا أصبحت هذه هي سياسة أمريكا الخارجية فعلا، فسوف تترتب على ذلك نتائج إيجابية جدا بالنسبة لدولنا العربية بالذات، وللعلاقات مع أمريكا.
إذا أنهى ترامب فعلا دائرة التآمر على الحكومات والدول والفوضى المدمرة كما قال، فسوف يعني هذا أولا انه سينهي عقودا طويلة من السياسات الاجرامية الأمريكية تجاه دولنا، ومن التآمر الأمريكي على حكوماتنا، والسعي إلى اسقاط النظم وإثارة الفوضى والعمل على تمزيق وتقسيم دولنا ومجتمعاتنا. وقد دفعت الدول العربية كما نعلم ثمنا فادحا جدا من جراء هذه السياسات في عهد أوباما ومن قبله بوش أيضا.
وسوف يعني هذا ثانيا، أخبارا سيئة جدا للعملاء والخونة في دولنا العربية، ذلك أن إدارة ترامب سوف توقف كل سبل الدعم المادي والسياسي والإعلامي للقوى الطائفية الانقلابية في دولنا. هذه القوى راهنت عليها إدارة أوباما كثيرا جدا ودعمتها بكل السبل من اجل تنفيذ اجندة التدمير والفوضى التي يتبرأ منها ترامب الآن.
وسوف يعني هذا ثالثا ان المجال مفتوح امام علاقات اكثر إيجابية مع أمريكا تقوم على تحقيق المصالح المشتركة وتسهم في تحقيق استقرار دولنا.
ولكن، كما ذكرت علينا ان ننتظر حتى يتولى ترامب السلطة لنعرف ماذا سيحدث بالضبط وكيف ستكون سياساته الخارجية فعلا.


«حوار المنامة» في ظل اختلال النظام الدولي

2016/12/12

فوزية رشيد

{ لا شك أن «منتدى حوار المنامة» والمنعقد ليومه الثاني، أثناء كتابة هذا المقال، هو من بين أهم المنتديات الدولية، التي تجتمع فيها قيادات مهمة من كل دول العالم، وحضرها هذا العام 400 شخصية، ما بين قادة ووزراء وجنرالات ومنظمات، لمناقشة قضايا دولية وإقليمية مهمة، وتحديات اقتصادية وسياسية وأمنية، وبما يتعلق تحديدا بأمن الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب، والخطر الإيراني، ليس فقط على الإقليم وإنما على العالم، إلى جانب طرح تفاهمات بين دول مجتمعة في المنتدى، وعلى هامشه، وحيث لقاء قيادات من مختلف الدول، تؤدي إلى تقريب المسافات في فهم المشاكل والتحديات التي تواجه كثيرا من دول العالم، ولكن ماذا ينقص هذه الحوارات عادة؟!
{ في تصوري، والحوار الدولي في المنامة يتجدد كل مرة، قد تكون قائمة التحديات والتهديدات المطروحة هي ذاتها منذ عدة سنوات، وكنا نتمنى مع تراكم حيثيات هذه الحوارات واللقاءات المستفيضة بين قادة العالم، أن يواجه قادة العالم هؤلاء (الحقيقة) ليصلوا إلى حلول موضوعية لها، ونقصد بالحقيقة هنا، مواجهة الالتباسات والملابسات التي تحيط عالم اليوم، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد (في ظل اختلال ميزان القوى العالمي واختلال النظام الدولي) كنتيجة منطقية، لسياسات ومشاريع تبنتها قوى كبرى خلال السنوات الماضية على وجه التحديد وعملت على تنفيذها بعد سقوط بغداد، مثل المشروع الشرق الأوسطي الجديد، الذي تبنته الولايات المتحدة والمحافظون الجدد، وبعض الدول الغربية الكبرى، وجاءت التداعيات الخطيرة في المنطقة والعالم بسبب تبني تلك السياسات، التي ولدت الفوضى وتخريب عدد من الدول العربية، وتدمير بناها التحتية وتهجير مواطنيها، مما أنتج بدوره ظاهرة الإرهاب (القاعدة وداعش والمليشيات والحشود الشيعية) إلى جانب تبني أمريكا وبعض قوى عالمية كبرى غض الطرف وتشجيع المشروع الإيراني في التمدد والتوسع ونشر الكراهية والطائفية وتقسيم الشعوب، مما يعتبر تشجيعا وتخادما مقصودا، لاستهداف المنطقة العربية، ومنها دول الخليج العربي، وكل ذلك أنتج بدوره (تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية جديدة) وخاصة مع دخول روسيا الحرب في سوريا دعما للنظام، في ظل تمدد إيراني في العراق وسوريا نفسها.
{ هذا يعني أن ما يناقشه «حوار المنامة» وقادة من كل تلك الدول مثل أمريكا وبريطانيا وغيرهما من القوى الكبرى موجودون، فإننا نعتقد أن الحوار يصب كل مرة في نتائج (السياسات الدولية المختلفة) وليس في أسبابها، التي تقف خلفها ذات الدول!
وإذا كان الخليج العربي والمنطقة العربية، موقعا استراتيجيا واقتصاديا للعالم كله، وهو كذلك، فإن سياسة العبث الدولي بأمنه واستقراره جراء طرح وتنفيذ المشاريع التدميرية، هو ما جعل العالم كله أقل أمنا، وأكثر اضطرابا، وحيث الهجرات من دول الدمار العربي، إلى جانب الإرهاب، الذي ظهر بتطرف كبير خلال السنوات الماضية، قد انعكست آثارها على الغرب نفسه!
{ إن لم تراجع الدول الكبرى سياساتها الخارجية (وما يهمنا هو التطبيق وليس التصريحات التطمينية)، وخاصة دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فإن اختلال النظام الدولي، المنعكس بمأساوية على كارثة الشعب السوري والشعب العراقي، وحتى على الحرب في اليمن، بسبب الدور المهين الذي تقوم به الأمم المتحدة اليوم، في هذه المناطق، نقول فإن (اختلال النظام الدولي) سيزداد عمقا، وخاصة مع الدور السلبي والعاجز لهذا النظام الدولي، في سوريا، ودوره الذي يغض الطرف عن التهديد الإيراني للسلم والأمن في الإقليم وفي العالم.
{ إن عالمنا اليوم بحاجة إلى (أن يستعيد شيئا كثيرا من منطقية سياسات دوله، وخاصة الكبرى)، ومن إنسانيته، ومن القدرة على لجم الشركات الكبرى العابرة للحدود التي تتغذى على الحروب وعلى مآسي البشر في الدول الأضعف أو الأصغر وتحكم بالخفاء سياسات القوى الكبرى! وأن يستعيد هذا العالم شيئا من عقله لإيقاف شحنة الكراهية والصراع بين الشعوب والحضارات والأديان، وسيناريوهات تقسيم المنطقة والعنصرية والأطماع والحرب على الإسلام، وصناعة الإرهاب ثم شحذ القوى لمحاربته، وهذه هي أهم مسببات مشاكل العالم اليوم.
{ إذا لم نتصارح ويتصارح القادة في العالم حول مكمن أسباب مشاكل عالم اليوم في الحقيقة، فإن الحوارات في النهاية لن تنتج (إلا معالجة المظاهر، فيما جوهر المشاكل يبقى كما هو)! وفيما السوس ينخر في الجذور، وفيما قادة العالم يدورون حول أنفسهم، وكل واحد منهم يطرح نفسه على أنه الضحية، بينما سيناريو الفيلم العالمي الكامل منذ عقود، يوضح أنه الجلاد! وأن دولته من أسهم في صناعة ما يعانيه عالمنا اليوم، وخاصة مآسي منطقتنا وشعوبنا العربية، أين هي الصراحة؟! وأين هي الشجاعة التي تعلق الجرس على الرقاب؟!


نعيش (حربًا عالمية ثالثة) غير معلنة رسميًّا

2016/12/12

كوبا ليست بحاجة إلى «حريتكم» و«رفاهيتكم»

2016/12/12